التوتر المتزايد للعلاقات الأميركية الصينية

TT

على الرغم من التوترات التي أصابت العلاقات الأميركية الصينية مؤخرا، فما زالت لدى البلدين مبررات قوية للحرص على استمرار التعاون معا؛ وهو ما يقر به كلا البلدين.

وعلى الرغم من أن رد فعل الصين تجاه قرار إدارة أوباما بيع الأسلحة إلى تايوان كان غاضبا، فإنه اقتصر على بعض المواقف الرمزية، وذلك مقارنة بما حدث عام 1992، عندما أرسلت إدارة بوش أسلحة لتايبيه، فسارعت بكين ببيع الصواريخ إلى باكستان ووقعت اتفاقية تعاون نووي مع إيران.

ولكن من المرجح في الوقت الراهن أن تستهدف أقوى التهديدات الصينية، أن «تثأر» من الشركات الأميركية التي شاركت في عملية بيع الأسلحة، شركات مثل «رايثيون»، التي كانت المورد الرئيسي لتايبيه، ومن ثم كانت تلحق ضررا بالسوق الصينية، ولكن من المستبعد أن تفرض بكين عقوبات على الشركات الأميركية العملاقة، التي شاركت في الصفقة؛ «بوينغ»، و«جنرال إلكتريك»، و«يونايتد تكنولوجيز».

وبالمثل، كان رد فعل بكين الغاضب تجاه قرار الرئيس أوباما بلقاء الدالاي لاما رمزيا للغاية. فلم يكن ذلك اللقاء مفاجئا بالنسبة للحكومة الصينية؛ فكل الرؤساء الأميركيين في التاريخ الحديث التقوا الدالاي لاما، كما أن الرئيس أوباما كان قد أخبر الرئيس الصيني هو جين تاو أنه سوف يلتقي بزعيم التبت.

وبالنسبة لواشنطن، فإنه على الرغم من الانتقادات التي وجهتها هيلاري كلينتون إلى الصين بشأن حرية الإنترنت، وبالرغم من إعلان الرئيس أوباما عن اتخاذ إجراءات مشددة مع بكين بشأن العملة، فمن المستبعد أن تنتج عن ذلك الخطاب القوي إجراءات حقيقية. وذلك نظرا إلى أن الولايات المتحدة ليست لديها سوى عدة أسهم في جعبتها، كما أنها تدرك في الوقت نفسه أن الانتقادات العامة لبكين نادرا ما تؤتي ثمارها. وربما تلعب كلتا الدولتين، في الحقيقة، اللعبة نفسها: اللجوء إلى خطاب عالي النبرة لإرضاء الجماهير محليا. ولكن هناك نزعتان شائعتان تثيران القلق. أولاهما هي ذلك الإحساس المتنامي داخل الصين بأنها لم تعد في حاجة إلى الغرب، خاصة الولايات المتحدة، كما كانت من قبل. ففي الثمانينات، أخرج دينغ شياو بينغ الصين من الحرب الباردة من خلال التقارب مع أميركا والانفتاح على الاستثمارات الأجنبية. وكان ذلك مختلفا عن الاستراتيجية التي نهجتها كل من اليابان وكوريا الجنوبية، والتي اعتمدت على التصدير. ولكن الأكاديمي الصيني مين شين بي يقول إن ذلك لم يكن تحولا أيديولوجيا إلى السوق الحرة؛ حيث كانت الصين التي أضرت بها الثورة الثقافية، في أمس الحاجة إلى أساسيات الإدارة والتكنولوجيا والرأسمالية لكي تطور اقتصادها.

أما اليوم، فالصين غارقة في الرأسمالية؛ حيث أصبحت لديها كثير من الشركات المحلية الكبرى. ولأول مرة خلال العام الحالي كانت السوق المحلية، وليست الصادرات، هي المحرك الرئيسي للنمو في الصين. وكلما تزايد نشاط الصين، أصبحت السوق الداخلية هي مصدر القلق الرئيسي لديها.

وينطبق الشيء نفسه على السياسة الخارجية، فقد أعاد ماو العلاقات مع الولايات المتحدة كي يجد له حليفا في مواجهة الاتحاد السوفياتي. وأصبحت الصين في حاجة إلى الولايات المتحدة كحليف سياسي منذ ذلك الوقت؛ فكان احتفاء جيانغ زيمين الغائم بالولايات المتحدة جزءا من استراتيجية لها أهداف واضحة: الحصول على عضوية منظمة التجارة العالمية. أما اليوم، وفي ظل الاحترام الذي تحظى به الصين على المستوى العالمي، أصبحت أكثر ثقة، بل وربما مزهوة بنفسها على مستوى العلاقات الدولية. وليس هناك ما يعيب ذلك، ولكن زهو بكين بالحديث عن نفسها لا يقترن برؤية واسعة المدى؛ فلا يبدو أن الدولة على استعداد لكي تلعب دورا عالميا. ففي القمم الدولية، تركز بكين جهودها - إلى حد كبير - على السعي لتحقيق مصالحها من منطلق ضيق للغاية. فعلى سبيل المثال، في قمة العشرين التي عقدت في أبريل (نيسان)، شاركت الصين بفعالية في قضية واحدة: أن تتأكد من أن هونغ كونغ ليست ضمن قائمة الملاذات الضريبية التي يتم التحقيق فيها. ومن المحتمل أن تبدأ الصين في ممارسة دور عالمي أكبر في وقت قريب؛ وتبدأ في تحمل مسؤوليتها في النظام العالمي وتقديم التنازلات من أجل تحقيق مصالح على المدى الأبعد، ولكن في ظل التأثير العالمي للصين، سوف يجمد ذلك على الأرجح عدة جبهات. لقد كانت سياسة الانعزال الأميركية في العشرينات مفهومة، ولكن كانت لها تأثيرات سلبية متعددة على العالم. والعامل الثاني الذي ربما يزيد توتر العلاقات الصينية الأميركية هو المصير الذي ربما يؤول إليه الاقتصاد الأميركي. فهناك مخاوف من أن يكون الاقتصاد الأميركي حاليا يمر بانهيار هيكلي عميق. وإذا لم يتحل السياسيون الأميركيون بالشجاعة الكافية لإعادة الاقتصاد الأميركي إلى التنافسية مرة أخرى، حيث تعي بكين أنها تتعامل مع قوة عظمى في حالة تهاو شديدة، فإن العلاقات بين الصين وأميركا سوف تتغير جذريا. وبالطبع إذا ما حدث ذلك، فسيكون لدى أميركا الكثير من الأمور الأخرى التي يجب أن تقلق بشأنها.

*خدمة «واشنطن بوست»