سمع.. «حص»!

TT

رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سليم الحص اعترض وبشدة على المصافحة التي حدثت بين الأمير تركي الفيصل ومسؤول الخارجية الإسرائيلي أيلون في ندوة سياسية عقدت أخيرا بألمانيا. وفي تعليق سليم الحص موقف غريب يستحق التعليق، فالبديهي أن المصافحة التي حدثت هي ليست تطبيعا ولا تقريبا، بل أعتقد جازما بأن تركي الفيصل بحركة ذكية سجل نقاطا رمزية في «إنزال» مندوب الخارجية الإسرائيلية (التي يرأسها ليبرمان وهو شخص له طباع حراس الملاهي الليلية بأحسن تقدير) من على المنصة وإجباره على تقديم الاعتذار على ما قاله وفعله بحق تركيا، وتركي الفيصل قالها في السر وفي العلن عن مواقفه وآرائه في حق السياسة الإسرائيلية، وهو ابن ملك شامخ استشهد وهو يقف بعزة وكرامة ضد هيمنة إسرائيل وأعوانها، وهذا تاريخ ثابت وموثق وغير قابل للتشكيك.

سليم الحص تعامل إبان رئاسته لوزراء لبنان مع وزراء لبنانيين صافحوا وعانقوا وقبلوا وضحكوا ورقصوا مع شارون وزمرته إبان احتلال بيروت في الثمانينات الميلادية من القرن الماضي، ومنهم من كان يأتمر مباشرة من شارون، وشارك في مجازر بحق الكثيرين من اللبنانيين والفلسطينيين، والتاريخ لا يكذب ولا يزيف ولا يتجمل. السعودية ترفض التطبيع مع إسرائيل ما دامت إسرائيل رفضت الاعتراف الكامل بحقوق الفلسطينيين واستعادة أراضيهم، وهي فعليا الثقل الكبير في معادلة السلام. وعلى الدكتور سليم الحص أن يطمئن تماما بأن السعودية غير مهتمة بمباحثات مباشرة ولا غير مباشرة، سواء أكان ذلك عن طريق اجتماعات بينية أو عن طريق قناة «بنما». المسألة لا يمكن علاجها أو تعاطيها بالشعارات والعواطف، ولعل أعتى من رفعوا شعارات منع التطبيع والمصافحات هم أكثر من عقد اللقاءات في السر والعلن ووزع الابتسامات والتقط الصور، ومرة أخرى التاريخ مليء بالوقائع التي تؤكد ذلك من أيام عبد الناصر والزعامات الفلسطينية ومن جاء بعدهم وسواء أكان ذلك بوسيط أو دون وسيط.

نحن أمام واقعة مصافحة عارضة لا تعني تغييرا في ثوابت المواقف السياسية، لا للمملكة العربية السعودية كدولة ولا في حق تركي الفيصل (وهو مسؤول سابق لا يحمل منصبا رسميا اليوم)، وبالتالي المبالغة المتعمدة لتأويل هذه الواقعة بأشكال وألوان وفصول وتفاصيل لا بد أن ينظر إليه بالكثير من الريبة والشك، وأيضا اعتبارها فاصلا جديدا من فصول التبسيط والسذاجة السياسية في العالم العربي. إسرائيل دولة مارقة بامتياز، وسجلها أسود في مجال حقوق الإنسان، وخروقاتها للمواثيق والعهود والالتزامات الدولية لا تعد ولا تحصى، وهي دولة ديمقراطية بقدر ما كان هتلر ديمقراطيا وعادلا. السلام له ثمن يجب أن تدفعه إسرائيل، وفاتورة هذا الثمن واضحة ومعروفة، ولكن لإسرائيل طرقا وأساليب مفضوحة للتهرب من السداد عرفها العالم وسئم منها. تركي الفيصل رجل عاقل وحكيم ومسؤول جدا في تصرفاته، وهو ابن زعيم وقائد فذ، يحسب حركاته وكلماته بميزان دقيق وحساس، ومواقفه عبر السنين وتعاملاته مع «أشكال» متفاوتة من الناس بأبعاد مختلفة وبنجاحات لافتة تجعلني أقول وبشكل مطمئن إن ما فعله تركي الفيصل بحق المسؤول الإسرائيلي هو «صفعة» محترمة على وجه لا ماء فيه ولا يعرف الخجل. وعلى ذلك له مني التحية والاحترام.

[email protected]