.. مع الشيخ صالح الحصين

TT

هاجم الشيخ صالح الحصين رئيس شؤون الحرم المكي والحرم المدني، ورئيس مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني السعودي، الصحافة المحلية السعودية وانتقدها بحدة في اللقاء الأول للقضاة السعوديين الذي عقد مؤخرا، وقال: «طيش الصحافة وعدم اهتمامها بالأمر أساء للمملكة إساءات كبرى». الشيخ ادلى بهذه الانتقادات القاسية وهو يتحدث لثلة من قضاة السعودية.

تعليقات الشيخ الحصين القاسية ضد الصحافة السعودية لاقت ردود فعل إعلامية، وهذا شيء طبيعي فهم المعنيون بالأمر، وتشعب النقاش الى شعب كثيرة، منها ملاحظات حول طبيعة العلاقة بين القضاء والإعلام، ومعنى فكرة الاستقلال التام للقضاء، وهل يعني هذا حجب النقد عنه، او حتى التغطية والمتابعة الاعلامية، وهل هذا يحصل في الغرب الذي استشهد به الشيخ؟

 جدل في كثير من تفاصيله متخصص، ولكن الذي نقرأه ونراه في الاعلام  الغربي هو ان هناك قضايا يعيش عليها الاعلام في الغرب ويغطي تفاصيلها بغزارة، مثل  قضية او جيه سيبمسون الذي قتل عشقيته في أمريكا، وتابع الناس في العالم تفاصيل التفاصيل في هذه القضية وهي منظورة أمام القضاء. الشيخ قال انه لا يوجد قضاء بلا أخطاء، وانه حتى في أمريكا صدرت عشرات الأحكام بالإعدام في عهد كارتر على أناس اتضح لاحقا أنهم أبرياء. وهذا لا جدال فيه، ففي النهاية لا يوجد احد، فردا كان او جهة، يدب على الأرض وهو لا يرتكب الأخطاء، هذا جزء من الطبيعة البشرية، لكن كيف عرف الشيخ الحصين هذا الخبر عن أخطاء القضاء الأمريكي، أوليس من الإعلام الأمريكي نفسه؟!

الحق انه لا يمكن الحجر على الإعلام فيما يتناوله او لا يتناوله، ولو حجرت على بعض الصحف او القنوات الفضائية فلن تستطيع ان تفعل ذلك في الانترنت ورسائل الموبايل. هذا كلام أصبح من الماضي.

خير ما يفعله المسؤول مع الإعلام هو التعامل معه لا تجاهله أو الهجوم عليه، فأوكسجين الإعلام هو الأخبار والقصص والمعلومات، خذ مثلا قضية مصافحة الأمير تركي الفيصل للمسؤول الإسرائيلي، هل يحجب أمرها عن الإعلام او يتم التعتيم عليها بحجة عدم إثارة البلبلة او تشويه موقف السعودية أمام الشارع العربي؟ لا أظن أن أحدا، الآن، يقول مثل هذا الكلام.

الأحسن من مهاجمة الاعلام، لأنه يغطي قضايا ينظر فيها القضاء، هو المطالبة بمزيد من الشفافية وإتاحة اكبر قدر ممكن للتداول العام، فهذا يقطع او يقلل من حجم الغلط في المعلومات في القضايا المنظورة امام القضاء، كما اتهم الشيخ الاعلام، مع الأخذ بالاعتبار طبعا خصوصيات الافراد المحرمة وما يؤثر على مجرى العدالة، وما شابه ذلك من الاعتبارات الحقيقية.

ربما كان من الأفضل ان يتصدى الناطق الرسمي باسم وزارة العدل، او أي جهة ذات صلة، تتخاطب مع الإعلام، بدل الدخول في عراك مع الصحافة.

بكل حال، القضاء له حصانته ومكانته، هذا لا ريب فيه، ولكن يجب ان نعرف حدود هذه الحصانة ومعالم هذه المكانة، حتى يستطيع الإعلام التعامل مع هذه الحدود والمعالم، ليتم «الحوار» حول هذه القضية بشكل ناضج ومباشر، خصوصا أن الشيخ صالح هو خير من يدرك فائدة الحوار بوصفه عراب سفينة الحوار الوطني.

[email protected]