الشرق الأوسط صار «موضة قديمة»، أو هكذا تبدو الصورة والمشهد السياسي ما بين واشنطن تحديدا والعواصم الغربية عموما مع المنطقة العربية.. فالمنطقة كانت نصب أعينهم ومحط أنظارهم ومن محاور اهتمامهم، وكانت دوما في صميم تفاعلهم السياسي والعسكري والاقتصادي والأمني، فأميركا تحركت «فورا» على غزو ثلاثي من إسرائيل وفرنسا وبريطانيا ضد مصر، وأميركا والحلفاء التي جندتهم تحركت فورا لتخليص الكويت من قبضة احتلال صدام حسين، وأميركا تحركت فورا لإسقاط صدام حسين لشبهة وجود أسلحة دمار شامل لديه، وأميركا تحركت ضد مقر تنظيم القاعدة في أفغانستان بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) المعروفة، وهي نفسها التي أصيب رئيسها باراك أوباما بنوبة تردد هائلة في حسم موقفه وتنفيذ وعده بمعاقبة بشار الأسد ونظامه بعد استخدامه للسلاح الكيماوي على شعبه في مذبحة بشعة في ريف دمشق راح ضحيتها أكثر من ألف وأربعمائة معظمهم من الأطفال والنساء، ولكن باراك أوباما فاجأ العالم بأنه حول الموضوع لكي يصوت عليه الكونغرس الأميركي، وفي ذات الوقت كان وزير خارجيته «يفتح» باب الحل للمشكلة بقوله إنه إذا تخلص النظام الأسدي في سوريا من السلاح الكيماوي فسيتوقف التهديد العسكري، وهذا ما حصل. وطبعا كان ما حصل قبل ذلك من تصويت البرلمان البريطاني ضد المشاركة البريطانية عسكريا في أي عمل هجومي ضد نظام بشار الأسد وترسانته.
إنها كلها مواقف جديدة ومختلفة تقول لنا إن المنطقة لم تعد تخضع لأولويات السياسة الأميركية، وهو ما قرأته بشكل جيد دولة كاليابان التي تعتمد على وارداتها النفطية بشكل هائل من منطقة الشرق الأوسط ومن دول الخليج العربي تحديدا، وباتت تراقب أي تطور في المنطقة بقدر هائل من القلق والانزعاج، فهي لا تزال تعاني مرارة انقطاع قدرة العراق على العودة لمعدلاته السابقة في الإنتاج والتصدير، وكذلك الأمر بالنسبة لإيران ونيجيريا وليبيا والجزائر، كل بلد له أسبابه، ولكن كل الأسباب تصب تحت مظلة الاضطراب والفوضى السياسية. وتضم اليابان لهؤلاء الدول السودان واليمن أيضا، وذلك على الرغم من قلة الكمية التي تنتجها من البترول.
اليابان ترى في الربيع العربي وتبعاته أسبابا كبيرة للقلق، وترى محاذير التوتر الطائفي والمذهبي وخطورة انتشاره إلى مناطق ملتهبة ومختلفة في العالم العربي، نظرا لهشاشة المجتمعات ورعونة تعاملها مع الخلافات والاختلافات المذهبية والعرقية والطائفية والدينية، مما يعني أن هناك مزيدا من الاضطرابات والقلاقل والفوضى والعنف ستحدث في هذه المنطقة من العالم من دون أن يكون هناك غطاء أمني عالمي لتبعات هذه المسألة الخطيرة في ظل مراجعة الولايات المتحدة الأميركية لأولوياتها الأمنية وزيادة نفوذ روسيا والصين بشكل ملحوظ حتى ولو كان بشكل غير مباشر.. فاليوم الصين لديها قاعدة عسكرية وحاملة طائرات في شرق أفريقيا وساهمت في تخفيض عدد الاعتداءات من قبل القراصنة بأكثر من 98 في المائة في عام واحد. والروس يدعمون علاقاتهم بإيران بشكل استراتيجي وسيكون مثيرا مراقبة تطور وتغير هذه العلاقة في ظل الغزل الأميركي - الإيراني الواضح جدا والذي سيكون من المهم متابعته.
كل هذه التطورات جعلت اليابان تفكر بجدية في وجود عسكري وأمني لدعم الدول بالخليج في مواجهة التطرف والإرهاب، وخصوصا في المجالات الخاصة بمواجهة الألغام والتفجيرات، حيث إن لها باعا طويلا وناجحا ومؤثرا للغاية في هذا المجال.
ومن المهم أن تدرك دول الخليج أن اليابان لديها أسباب وجيهة للقلق، وأنها الآن تدرس وتخطط للبدائل الأمنية وكذلك تستعد لأن تتعرض لضغوطات من حليفتها الأهم الولايات المتحدة الأميركية التي تحولت وعادت مرة أخرى لتصدير النفط، بأن تطلب من اليابان شراء النفط الصخري منها كبديل عن النفط الذي تشتريه الآن من دول الخليج العربي. سيناريو ليس بالبعيد ولا بالخيالي أبدا، واليابان تعد العدة له.