لو كنت عراقيا!

TT

بالعنوان نفسه «لو كنت عراقيا» كتبت مقالا قبل الانتخابات العراقية البرلمانية السابقة التي جرت عام 2005م. وبشيء من التردد أكتب «لو كنت عراقيا2» - أقول بشيء من التردد - احتراما لإرادة العراقيين في الاختيار، وخوفا من القول «بالتدخل في الشأن العراقي» الذي لم يبق طرف إقليمي أو عالمي إلا وتدخل فيه. والتدخل في الشأن العراقي فرضته مسألتان: أهمية العراق للمنطقة والعالم، وتفتت الجبهة الداخلية العراقية مما سهل لكل من هب ودب التدخل في الشأن العراقي. لكن كتابتي عن الشأن العراقي دافعها التعاطف مع هذا الشعب المنكوب، ودافعها الحرص على خروج العراق من التمزق الطائفي والعنف الدموي، لأن في استقرار العراق وسلامته سلامة للمنطقة بأسرها، ولأن استمرار الوضع العراقي في حالة التمزق التي يعيشها تنعكس سلبا على جيرانه بشكل أو بآخر.

يسود شعور عراقي وإقليمي ودولي بأن الانتخابات المقررة في مارس (آذار) القادم ستكون حاسمة بكل المقاييس، وقد حمي وطيس المعركة الانتخابية القادمة مبكرا باستبعاد مئات المرشحين من قوائم خوض الانتخابات، وهي القضية التي فتحت الباب على مصراعيه للتشكيك في نزاهة الانتخابات بعدما شكك الرئيس العراقي نفسه - جلال طالباني - في شرعية «هيئة الاستبعاد» التي تسمى «هيئة المساءلة والعدالة» التي يرأسها الشخصية «الجدلية» أحمد الجلبي.

هناك سبب آخر للكتابة عن الشأن الانتخابي العراقي، وهو الأمل الذي يعلقه كثير من العرب التواقين للحرية والديمقراطية، ويرون في العراق تجربة ستأتي بتأثيرات رياح التغيير على دول المنطقة برمتها. فلو قدر للعراق الخروج من محنته وترسيخ تجربته وتثبيت النموذج الديمقراطي المدني، فإن التجربة حتما ستتجاوز حدود العراق إلى خارجه، وسيصبح العراق قوة إقليمية حقيقية مستندا إلى دستور مستقر، ونظام ديمقراطي مدني متين الأساس.

لكن هذا الأمر لن يتحقق إذا استمرت عقلية «نحن وليس هم» هي الفيصل في الخيارات الانتخابية البرلمانية القادمة، ومن الواضح أنها عقلية لن تخرج العراق من المستنقع الطائفي والفساد الحزبي والتخلف الديمقراطي. لا خلاص للعراق إلا بالحكومة المدنية التي ترى المواطنة على أساس آدمية الإنسان العراقي، وليس على أساس «منّا أو منهم» البغيضة التي سادت طيلة الفترة التي أعقبت سقوط نظام صدام.

الطائفيون فقط هم الذين يظنون أن العراق لهم وحدهم، سواء أولئك الذين بادوا أو من أتوا بعدهم وسادوا، والنتيجة أن البائد باد، ومن ساد قاد البلاد والعباد إلى ما آلت إليه الحالة العراقية العامة اليوم.

العراقيون أمام اختبار تاريخي صعب، وقد لا تكون هناك فرصة ثانية لتجاوز الاختبار لو تكرر وصول الطائفيين للحكم، وكثيرون منهم أدركوا أن الخلاص الوحيد هو بخلاصهم جميعا، فلا خلاص لفئة دون أخرى، ولا سيادة متفردة لطائفة على حساب أخرى. ما تعلمه العراقيون على مدى السنوات السبع الماضية، كان مكلفا ودمويا وباهظا، والدوران في حلقة «إحنا ولا هُمّ»، سيبقي العراق بلا أمل، وستكرس معها ثقافة طائفية لم يعهدها العراقيون.

لو كنت عراقيا، لآزرت الصوت المدني العراقي الذي يرفض رفع شعارات الدين لتحقيق أهداف الدنيا، ولو كنت عراقيا لبحثت عمن يخاطب عراقيتي وليس من يخاطب مشاعري الدينية - الطائفية، ولساندت من يقدس آدميتي في المواطنة، وليس من يدغدغ شعوري بالانتماء المشترك معه طائفيا أو قوميا، ولفكرت ألف مرة في ما آلت إليه الأمور بسبب الاندفاع السابق بالتصويت للطائفيين، ونتائج حكمهم وحكوماتهم الوخيمة على حالة التعايش العراقي.

لو كنت عراقيا، لصرخت بأعلى صوتي: «كفانا مضيعة لأرواحنا وحياتنا ومستقبل أطفالنا، كفانا ضياعا لخيراتنا وثرواتنا ونهبها بالفساد والمحسوبية الطائفية..»

لو كنت عراقيا، لكان صوتي مدنيا من دون تردد!!