قل: ليس الآن!
والإمضاء: ف.أ.ق..
هذه هي الكلمات التي جاءت في خطاب ظل في صناديق البريد في القاهرة 27 عاما. عرضت الخطاب على هيئة البريد كعينة تاريخية أو نكتة. المشكلة الآن.. لقد نسيت من صاحب أو صاحبة هذه العبارة. ولا دلالة هذه الحروف. الخط صغير وحلو. والورقة لا يزال لونها ورديا. رجعت بالذاكرة. حاولت أن أسأل بعض الأصدقاء والصديقات لا عرفت ولا هم عرفوا.. ولا تذكرت ما الذي كان هناك. وهل كانت هناك قضية.. طبعا ليست سياسية ولا أدبية. فمثل هذه القضايا أهم صفاتها العلنية والشجاعة والجرأة. ولا تحتاج إلى عبارات رمزية. ولا تكفى عبارة واحدة.. إذن لا بد أن تكون عاطفية.. وأدرت العبارة في دماغي. وقلبت بها ذاكرتي. وحاولت ولم أهتدِ إلى شيء أو إلى أحد.. حاولت أن أعرف صاحبة مثل هذا الخط الجميل أو بقايا هذا العطر. أعلن عقلي وذاكرتي الإفلاس التام.. أو أن الأمر لم يعد يعني أحدا. وإذا كانت عندي رسائل أخرى فهذا شأني.
عدت إلى مقالاتي في ذلك الوقت.. كنت أكتب في صحف كثيرة.. وحاولت أن أجد إشارة في كتبي التي صدرت في ذلك الوقت.
وكان لي صديق له علاقة بالعفاريت. وكان يدعي معرفة مثل هذه الغيبيات. وكانت فرصة أمتحن فيها قدرته على فك هذه الطلاسم التاريخية. ولسوء حظي كان معي الموسيقار الفنان بليغ حمدي. وهو الذي أفشى هذا السر. واعتذر. جلسنا أمام الشيخ ع.ل. أحد أصدقاء الجن. وبعد أن جلس هادئا ونطق بكلمات غير مفهومة واحمر وجهه واختنق أو كاد يموت وهو يتلوى أمامنا.. لا نعرف السبب وقد نبهنا إلى أننا إذا رأيناه على هذه الصورة أن لا نخاف وأن لا نتركه وحده، فقد يحتاج إلى كوب من الماء.
ثم بدأ تدريجيا يعود إلى حالته العادية. ونظر إلينا وقال: السلام عليكم.. يقولون لك إن صاحبة هذه الرسالة هي:...... وامتدت يدي إلى كوب الماء الذي أمامنا وشربته. ولم يملك بليغ حمدي أن يسكت عن هذه الفضيحة فأذاعها ولم أفلح في أن أكذبها. وخسرت اثنين من أعز أصدقاء العمر.
(من مذكرات لم تنشر بعد)