درع الخليج.. تحضير أم استسلام وتخدير؟

TT

لا تزال المعضلة الإيرانية تراوح بلا تقدم، والشيء الوحيد الذي يتقدم هو البرنامج النووي الإيراني. فقد فشلت كل المحاولات الرامية إلى ثني القيادة الإيرانية عن مواصلة سياسة المماطلة المتعمدة والتحدي إلى حد أصبح على الإدارة الأميركية معه مراجعة حساباتها وبرامجها قبل أن يباغَت العالم بتفجير نووي إيراني.

وخلال عام كامل من ولايته، لم يتخل الرئيس الأميركي عن سياسته المتراخية، ولم تتوقف آماله في إمكانية وضع إيران على خط المطالب الدولية. ربما بسبب عدم وضوح الرؤية، ولا أقول قلة الخبرة بهذا النمط من الناس. لأني أظن بحكم المعطيات السابقة أن المخابرات الأميركية لديها تصورات واضحة عن النهج الإيراني. وفي وضع كهذا ينبغي التعويل على رأي الخبراء المختصين من العاملين في الخدمة، وليس التأثر بما تقوله مراكز دراسات لا تتحمل مسؤولية الرأي الذي تقدمه، وقد تتأثر بآراء أشخاص يدّعون المعرفة، أو من المدفوعين من قبل النظام الإيراني. ويفترض إحالة تقارير مراكز الدراسات المتعلقة بالملفات الخطيرة إلى الأجهزة الحكومية المختصة عموما والمخابرات تحديدا.

عام كامل يعتبر فترة زمنية طويلة بقياس أهمية الملف الذي يقلق العالم، في ضوء غياب المعلومات الكافية المفترضة عن النشاطات النووية الإيرانية. ويمكن في مثل هذه المعطيات البناء على قاعدة المعلومات الأساسية والاستعانة بالتفسيرات العلمية لمستوى التطور، مع التشديد على الأخذ بأسوأ الاحتمالات. فحصول إيران وأي دولة أخرى غير مستقرة سياسيا على سلاح نووي يزيد من أعباء الحصول على السلاح نفسه، خشية وقوعه تحت ظروف انفلات تؤدي إلى وصوله إلى قوى إرهابية خارج نطاق الدولة.

ويفترض بالرئيس أوباما التدقيق في ما قاله السيد توني بلير عن الخطر القادم من إيران، الذي يتعدى بلا حدود أي خطر آخر. فسياسة الاسترخاء على مدى العام الماضي أثارت المزيد من الشكوك، أقلها الشعور غير المبرر بضعف بلاده. فالتساؤلات الأربعة عشر عن التوجه النووي الإيراني، التي أوردناها هنا قبل أكثر من عام، لم تعد مجال شك، وسياسة إغداق الحوافز التي انتقدنا العمل بها لم تجد نفعا. ولم يبق غير الحزم والعمل الجاد لإشعار القيادة الحاكمة في إيران بأنها ستدفع ثمنا (باهظا)، ولتبدأ عملية دفع الثمن بلا مماطلة.

من الغريب أن يُعطى للمسؤولين الإيرانيين انطباع عن تأثير فرض إجراءات حازمة ضد نهج التحدي على الوضع الاقتصادي العالمي، وتوقع حدوث مشكلات اقتصادية لا يمكن تحملها. في وقت يحاول الاقتصاد العالمي فيه التعافي من أكبر أزمة يمر بها منذ أكثر من ثمانية عقود. فيما ينبغي إشعارهم بحالة معاكسة لهذه التصورات كي لا يذهبوا بعيدا بأوهامهم. أما ما يتعلق بخطوط توريد النفط، فإن العسكريين الذين لا يستطيعون حمايتها تجاه قوة مارقة لا يستحقون حمل الرتب على أكتافهم، لأنها لم تصمم لعروض الأزياء.

إذن ليفهم الخمينيون أن الحرب كثيرا ما تؤدي إلى إنعاش الصناعات الحربية وبالتالي إنعاش الاقتصاد العالمي، وفي الوقت نفسه لا بد من التحدث مع المستثمرين والمستهلكين معا بنفس اللغة.

وعشية الذكرى (31) للثورة الخمينية عادت إلى ذاكرتي حادثة رواها مسؤول رفيع من المخابرات العراقية أعدتُ تدقيقها معه الأسبوع الماضي. فقد مر الخميني في أحد أزقة النجف القديمة وهو في طريقه للذهاب إلى مسجد، وصادف أن كان شخص يقود حمارا يسحب عربة محملة بمواد البناء (عربانة جص) بالاتجاه المعاكس، وقد قطع الحمار أكثر من نصف الزقاق فيما قطع الخميني مسافة أقل منها على الطرف الآخر. وبما أن الزقاق لا يحتمل مرورا على اتجاهين إلا بصعوبة بالغة، التمس المرافقون من الخميني العودة عشرات الأمتار للسماح بعبور الحمار، إلا أنه أصر على عودة الحمار وصاحبه، مما اضطر صاحب الحمار إلى تفكيك الحمولة وأشبع الحمار ضربا لإجباره على الاستدارة! وكان على الرئاسة العراقية اتخاذ قرار بتجميد نشاط الخميني وقتذاك، أو مطالبته بمغادرة العراق يوم كانت مؤسسات الشاه قوية. فكيف يمكن توقع مرونة عقلانية من نظام هذا عناده؟

سقوط ولاية الفقيه في إيران سيكون تقويضا لمشروع الخمينيين في العراق، ويقوي عزائم القوى الليبرالية. ويدفع كثيرا من ذوي التوجهات الدينية إلى تغيير خطابهم والانخراط في التوجه الليبرالي.

ومن الضروري أن تعيد الإدارة الأميركية النظر في موضوع المنظمات العلمانية المعارضة، وعدم مواصلة الأخذ بادعاءات نظام المرشد ضدها، الذي أثبتت الأحداث عدم مصداقية ادعاءاته للمجتمع الدولي بخصوص الكثير من الملفات، فتقييد المعارضين يعتبر هدية للمتحجرين.

بخلاف ذلك، سيفهم العالم نشر درع صاروخية في الخليج بأنه من علامات الاستسلام والتخدير، وربما يفهم كعملية متعمدة لفرض وجود طويل الأمد لا يخدم أميركا نفسها.