صراع كبير لا يزال متواصلا بين ممدوح الليثي منتج فيلم «ناصر وعامر»، الذي لم ير نور الموافقة بعد، وبين الجهات الرقابية بمصر التي تبدي اعتراضا عنيفا على الكثير من مضامين الفيلم وتطلب أيضا موافقة الجهات السيادية مثل الاستخبارات العامة أو الاستخبارات الحربية. وبالرغم من أن ممدوح الليثي أكد أن الفيلم لن يقدم أو يفضح أي أسرار حربية أو أمنية، ولكن سيقتصر على توضيح أن العلاقة الغريبة التي كانت مليئة بالمحاباة والمجاملة حتى ولو كانت على حساب البلد ومستقبل المنطقة، أدت إلى تطور مفهوم اللامحاسبة والمحسوبية، بسبب رعونة إدارة عبد الحكيم عامر للمهام المنوطة، وكان أبرز محطات فشله الذريعة الأولى إدارته للوحدة مع سورية واستهتاره بالحراك السياسي لسورية والطبيعة الخاصة لهذا البلد ذي التاريخ العريق والتركيبة الاجتماعية والاقتصادية الفريدة. وأراد «شطب» كل ذلك بجرة قلم وقام بتنصيب مجموعة غير مسؤولة ليثيروا الرعب في البلدين بحكم تطبيق الوحدة بأي ثمن مما نتج عنه تولد ردة فعل هائلة ضد الوحدة وضد عسكرة سورية بالأسلوب المخابراتي الذي أتى به عامر إلى مصر، وهو الأسلوب الذي تمت فيه الوحدة أصلا بالإجبار، وهو الذي كان لا بد أن يؤدي إلى الانفصال المحزن والأليم كما كان متوقعا، وبدلا من أن يتعظ ويستفيد ويتعلم جمال عبد الناصر من هذا الدرس المهم ويدرك أن عبد الحكيم عامر رجل فوضوي وغير كفؤ أبقاه في مناصبه، واستمر في منحه صلاحية إدارة القوات المسلحة.
وبينما كان عبد الناصر ينشر وعيده ضد إسرائيل تارة وضد البلاد العربية تارة أخرى، تلقت القوات المسلحة المصرية ضربات مؤلمة خلال حربها في اليمن التي تم فيها تبديد الاحتياطي من الذهب لمصر لشراء السلاح والعتاد، وطبعا من بعد ذلك تلقت القوات المصرية الهزيمة الموجعة من إسرائيل خلال حرب 1967. كل ذلك حدث لأن الخطاب السياسي لجمال عبد الناصر لم يواكب الجدية والجاهزية والكفاءة المناسبة للإدارة العسكرية. الخطاب السياسي في وادٍ وعبد الحكيم عامر في وادٍ آخر، وطبعا اضطر جمال عبد الناصر إلى أن «يتخلص» من عبد الحكيم عامر بإقالته من الجيش.
والآن يظهر لنا من يقول بعد سنوات طويلة من رحيل جمال عبد الناصر أن عبد الناصر لم يمت قهرا وهمّاً وانكسارا من الخيبات والهزائم وضياع الأحلام كما هو المتوقع والطبيعي، ولكنه مات مسموما، وهو يشير إلى أن إسرائيل وأميركا كان عليهما الخلاص من عبد الناصر والإتيان بأنور السادات لتسيير أمورهما. أي هراء هذا؟ وهل هناك إنجازات تحققت لأميركا وإسرائيل بالذات أكثر مما تحقق في عهد عبد الناصر؟ رجل أحب أن يغير التاريخ فغير الجغرافيا! أضاف بنكسة 1967 لأراضي إسرائيل أكثر مما كان لديها. أضاع في ستة أيام سيناء والضفة الغربية والقدس والجولان! إنجاز هائل وعظيم. إثارة موضوع تسمم عبد الناصر الآن لضرب من أتى بعد عبد الناصر هو تصفية حسابات معروفة، ولكن الرسالة الأهم هي ضرورة الخلاص من بقايا العهد الناصري وتراكماته والتعامل معه بجدية. إنه كان عهد نكسة فقط.