لا يمر عام من دون صدور كتاب جديد عن الأندلس، تلك الألفية من التاريخ الإسلامي والأوروبي، التي مرت بها الحروب والانتصارات والهزائم وتبادل الحضارات والمعارف. وقد انهار العصر العربي في إسبانيا بسبب النزاعات العربية أكثر مما يفعل التفوق الإسباني، وأدت الخيانات والانقسامات والانتقامات، كما يحدث اليوم، إلى سقوط جدران الدولة العربية ثم زواياها، ومحا الفاسدون ما بناه الفاتحون خلال أربعة قرون.
كتاب «الدم والإيمان» للمؤرخ ماثيو كار، يروي كيف تم «تنقية» «إسبانيا المقدسة» بعد سقوط غرناطة من اليهود ثم من المسلمين، على اثر «حرب صليبية» استمرت عشر سنين وانتهت عام 1492. وقد كان نفي اليهود سهلا، أما «المورسيكوس» أو «المغاربة الصغار» فقد كان إبعادهم «معقدا»، فقد كان المسلمون يشكلون قوة زراعية وصناعية كبرى، وكان هناك مثل شائع يقول: «من لديه مغربي يملك الذهب».
إلا أن هذا «التعايش» ظل صعبا، إذ ظل المسلمون ومؤسساتهم الدينية والاجتماعية يقاومون محاولات التنصير، بكل وسيلة ممكنة. واستمر الصراع حتى 1568 عندما تحولت الثورات الصغيرة إلى حرب شاملة استمرت حتى 1571 وانفجرت بضراوة هائلة، وتم خلالها ترحيل نحو 80 ألف مسلم إلى قلب إسبانيا المسيحية. غير أن الحملة لم تتوقف، ففيما حاول المسلمون الحفاظ سرا على تراثهم وصلواتهم وتقاليدهم، تزايدت الحملات على «مدنسي إسبانيا الطاهرة». وطوال أربعة عقود استمر الإسبان في عمليات الإغراق الجماعي والخصي الجماعي والطرد الجماعي. وفي النهاية، ما بين 1609 و1614، تم تجميع نحو 300 ألف مسلم ووضعهم على سفن حملتهم إلى بلدان المغرب العربي، كما يروي كار (دار نيو برس).
يحرص المؤرخ على التوثيق «الموضوعي» من دون توصيف لأي من الفريقين، لكنه يخلص في النهاية إلى أن الأندلس درس من التاريخ لأوروبا اليوم. فالقارة تغلي بحملات التعبئة من «الخوف الديموغرافي»، والأحزاب اليمينية تنتعش في بلدان أوروبية كثيرة برفعها شعارات التطهير «ضد المغاربة الجدد». ويأتي الدعم الأكبر لهذه الأحزاب والدعوات من التفجيرات القاتلة، مثل تفجير قطارات مدريد. ويعرف الفريقان، الأحزاب والإرهاب، مدى الإفادة المتبادلة ومدى تداخل عناصر الازدهار.