أحمدي نجاد تابع جديد لنيتشاييف

TT

«إذا وجدت نفسك في مأزق، استفز خصمك لتغيير الموقف». ترجع هذه النصيحة إلى نيتشاييف، أحد الفوضويين في القرن التاسع عشر والأب الفكري لعدة أجيال من الفوضويين والاستفزازيين الأوروبيين. انتبه إلى هذه النصيحة العديد من السياسيين والناشطين، الذين حاولوا، من دون أن يكون لديهم برامج جديرة بالثقة، إخفاء فراغهم الفكري خلف ستار من الاستفزاز. وشهد ما يسمى العالم النامي، الذي يشمل منطقتنا، أيضا عددا من الاستفزازيين الذين انتهوا في معظم الأحوال نهاية كارثية.

فكان هناك جمال عبد الناصر الذي شن حربا كان يعلم أنه لا يستطيع الانتصار فيها. وكان لدينا الجنرال يحيى خان من باكستان، الذي جر بلاده إلى حرب مع الهند كان يعرف أن نتيجتها ستكون كارثية بالنسبة لبلاده. كما أشعل الديكتاتور الأوغندي عيدي أمين حربا مع تنزانيا تماما مثلما فجر طغاة الخمير الحمر صراعا عسكريا مع فيتنام، وكان الاثنان يدركان تماما أنهما يرتكبان انتحارا سياسيا. وعلى نحو مماثل، أثبت الطاغية الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش أنه انتحاري عندما رفض إدراك أن أوروبا، وفي الحقيقة العالم أجمع، أصبح مكانا مختلفا. وفي الفترة الأخيرة، كان لدينا طاغية العراق صدام حسين، الذي حفر قبره بنفسه بتبنيه سياسة الاستفزاز المتعمد.

ويبدو الآن أن نيتشاييف قد أصبح له تابع إيراني متمثل في شخص الرئيس محمود أحمدي نجاد. فمنذ بداية رئاسته قبل أقل من خمسة أعوام، قرر أحمدي نجاد وضع نفسه في موقف صعب بتراجعه عن الاتفاقية التي توصل إليها سلفه محمد خاتمي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن إيقاف مؤقت لبرنامج إيران لتخصيب اليورانيوم منخفض الجودة. ولم تكن إيران في حاجة إلى ذلك اليورانيوم وما زالت ليست في حاجة إليه. ويتفق معظم الخبراء الإيرانيين على أنه لا جدوى من إنفاق مبالغ طائلة من الأموال وإثارة صراع مع العالم الخارجي للحصول على مخزون من اليورانيوم المخصب ما لم يكن النظام الحاكم يستهدف بناء ترسانة من الأسلحة النووية. لذا فإن القرار الأخير لنظام الخميني الحاكم بتجاهل المباحثات الأخيرة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والبدء في إنتاج مخزون من اليورانيوم المخصب عالي الجودة، بنسبة تصل إلى 20 في المائة، ما هو إلا نوع من الاستفزاز المتعمد. وقد قرر أحمدي نجاد، الذي وضع نفسه وبلاده في موقف حرج، مواصلة إحراج بلاده أكثر فأكثر.

ويعني الاستفزاز الأخير أن مجلس الأمن الدولي يجب أن يتجاهل خمسة من قراراته التي تم تمريرها بالإجماع، والاستسلام لأحمدي نجاد أو مواجهة تحدي طهران بإجراءات أكثر شدة من الممكن أن تقود في النهاية إلى عمل عسكري.

وأثار التحرك الأخير لطهران ردود فعل سلبية حتى من جانب روسيا والصين، وهما العضوان الدائمان في مجلس الأمن الدولي اللذان كانا يحاولان حتى الآن تهدئة الجمهورية الإسلامية من خلال القيام بتحركات دبلوماسية.

وقد تكون طهران قد فقدت أيضا الفرصة التي وفرها لها قدوم باراك حسين أوباما كرئيس للولايات المتحدة. فقد كان أوباما هو السياسي الأميركي رفيع المستوى الوحيد المستعد لبذل جهود كبيرة لاستيعاب النظام الخميني الحاكم. واليوم، لا يستطيع أوباما مواصلة نشر وهم التوصل إلى التسوية مع الخمينيين من دون المخاطرة بمواجهة مصير مثل المصير الذي آل إليه أسلوب جيمي كارتر. فقبل ثلاثين عاما، ضمن كارتر لنفسه الدمار السياسي بمحاولة استمالة جماعات حقوق الإنسان حتى النهاية. وليس من المؤكد أن أوباما سيكرر عن عمد هذه التجربة المأساوية والكوميدية في الوقت نفسه.

ولن يصمد ادعاء أحمدي نجاد بأن إيران تحتاج إلى اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة، لاستخدامه في التطبيقات السلمية المحلية، أمام التمحيص الدقيق. فالمحطة الذرية الوحيدة في إيران هي المفاعل القديم في أمير آباد في العاصمة طهران، والذي يبلغ عمره 43 عاما. وفي عام 2003 انتهى العمر الافتراضي الآمن لهذا المفاعل، الذي بناه الأميركيون، وأعلن رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية آنذاك، غلام رضا أغا زاده، أنه سيتم إخراج هذه المحطة من الخدمة بحلول عام 2006، أي بعد ثلاثة أعوام من انتهاء عمرها الافتراضي الآمن.

وقرر أحمدي نجاد تمديد عمل المفاعل حتى نهاية العام الحالي على الرغم من أن الكثير من الخبراء الإيرانيين حذروا من أن هذا المفاعل قد ينهار متسببا في وقوع كارثة في قلب العاصمة.

وعلى أية حال، يمتلك المفاعل الوقود الكافي الذي يمكنه من العمل لمدة أربعة أعوام أخرى. لذا، فإن إيران لا تحتاج إلى يورانيوم عالي التخصيب من أجل هذا الغرض.

وحتى بافتراض أن طهران قررت تمديد فترة عمل هذا المفاعل، الذي انتهى عمره الافتراضي، لعدة أعوام أخرى، فإن اليورانيوم الذي يجري تخصيبه في ناتانز ما زال غير مفيد بالنسبة لمفاعل أمير آباد. حيث لا تمتلك إيران التكنولوجيا والقاعدة الصناعية المطلوبة لتحويل اليورانيوم المخصب إلى قضبان وقود. ولا يزال اليورانيوم المخصب في إيران في حاجة إلى إرساله إلى واحدة من الدول السبع التي بمقدورها تحويل هذا اليورانيوم إلى قضبان الوقود المطلوبة.

وهناك حقيقة مهمة أخرى. قررت طهران تخصيب ضعف الكمية التي يحتاجها مفاعل أمير أآباد من اليورانيوم بنسبة 20 في المائة، بمعدل خمسة كيلوغرامات في الشهر.

وقد يكون وراء قرار أحمدي نجاد إعادة التأكيد على سمعته كاستفزازي محترف سببان آخران لا علاقة لهما بالقضية النووية نفسها.

السبب الأول هو أنه ربما يكون قد اتخذ قراره لسحب البساط من تحت أقدام من يبذلون جهودا حثيثة من داخل النظام الحاكم للتفاوض حول تسوية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بقبول المبادرة التي ترعاها روسيا والتي تقضي بتبادل اليورانيوم الإيراني منخفض التخصيب باليورانيوم عالي التخصيب من روسيا وفرنسا. وكان هذا الحل الوسط من شأنه تهدئة الموقف وإسكات الذين يدعون إلى فرض عقوبات أكثر شدة أو حتى القيام بعمل عسكري ضد الجمهورية الإسلامية. وفي الواقع، أعلن وزير الخارجية الإيراني البائس منوشهر متقي في مؤتمر في ألمانيا قبول إيران للصيغة الروسية قبل أقل من 48 ساعة من رفضها من قبل رئيسه في طهران. وقد يكون السبب الثاني والأكثر خبثا لتحرك أحمدي نجاد الاستفزازي متعلقا بعزلته المتنامية داخل الساحة السياسية الإيرانية.

فتعتزم المعارضة، التي بدأت الأسبوع الحالي وتستمر حتى بداية العام الإيراني الجديد في 21 مارس (آذار)، مواصلة الضغوط عن طريق المظاهرات في الشوارع والإضرابات العمالية وبذل الجهود الرامية إلى إقناع القوات القسرية للنظام الحاكم بتغيير موقفها.

كما قد يرغب أحمدي نجاد، عن طريق إثارة صراع أكثر حدة مع العالم الخارجي، إثارة المشاعر القومية الإيرانية وتحويلها عن الأزمة السياسية المحلية الحالية. وإذا صح ذلك، فسيكون أحمدي نجاد قد أخطأ في الحسابات السياسية مرة أخرى. حيث إن الإيرانيين ليسوا من السذاجة بحيث يتخلون عن تطلعاتهم الديمقراطية تحت شعار الوحدة الوطنية ويلتفون حول سياسة لن تسفر إلا عن كارثة لبلادهم. وسواء كان ذلك صحيحا أم لا، وإن كنت أرجح الثانية، فقد خسر أحمدي نجاد ثقة الشعب الإيراني. ووضع نفسه في مأزقين كافيين للقضاء على عشرة سياسيين. والمشكلة هي أنه يزيد الموقف سوءا.