أوباما يحاول تأكيد دوره كقائد موحد للبلاد

TT

كانت هناك حالة من الحزن غير متوقعة هذه المرة. فقد وجد باراك أوباما، الذي برز من قبل على المشهد السياسي باعتباره أحد سادة فنون الإقناع، نفسه في حاجة إلى إثبات هذه السيادة مرة أخرى.

ففي خطاب حالة الاتحاد، كانت مهمة أوباما الأساسية تتمثل في: منع نتيجة الانتخابات الخاصة بمقعد مجلس الشيوخ من إثارة الشكوك بشأن أجندته أو سلطته. والتعامل مع حالة الاستياء التي نجمت عن انتخابات ولاية ماساتشوستس وبعدها. وكذلك إعادة ترسيخ شعبيته، وأخيرا تفعيل اليسار والفوز بثقة الوسط مرة أخرى.

ومن ثم، سعى أوباما إلى اجتياز اختبار رياضي سياسي عن طريق حل عدد من المعادلات المتزامنة، فنأى بنفسه عن «وول ستريت» لكنه طمأن الشركات في «مين ستريت» (معقل تجارة التجزئة). وفيما يتعلق بالمستقلين، أصر أوباما على أنه لا يزال يسعى إلى تحقيق واشنطن قادرة على العمل من دون قيود حزبية، لكنه أيضا طالب الجمهوريين بالتوقف عن استخدام أساليبهم التعويقية.

وقد تحول الخطاب الذي كان يأمل أن يلقيه للاحتفال بالنصر، فيما يتعلق بإصلاح نظام الرعاية الصحية، إلى نداء عاطفي لإنقاذ حلم السياسة الخاصة به من النسيان السياسي. وصرح أوباما أنه «في الوقت الذي أنهِي خطابي الليلة، سيفقد مزيدٌ من الأميركيين نظام التأمين الصحي الخاص بهم. سيفقده الملايين هذا العام. وسينمو العجز وسترتفع الأقساط. وسيحرم المرضى من الرعاية التي يحتاجون إليها. وسيواصل مالكو الشركات الصغيرة إلغاء التغطية تماما. لن أتخلى عن هؤلاء الأميركيين. ولا ينبغي لأعضاء هذا المجلس فعل ذلك».

وفسر أوباما المزاج العام للشعب على أنه انعكاس «لشكوك عميقة ومزعجة بشأن طريقة العمل في واشنطن، وهذه الشكوك نمت على مدار أعوام». وليست حالة من الاستياء ضده أو ضد حزبه. لقد سعى إلى توضيح أنه في الوقت الذي سمع فيه عن الاحتجاجات، لم يكن رد فعله هو التغيير المفاجئ للمبادئ التي يدافع عنها أو الغاية التي يريد أن يقود البلاد إليها.

وأصر مستشاروه على أنه لا يوجد أوباما جديد، وأن وعود حملته الانتخابية كانت قد بشرت بمقترحاته الاقتصادية الأخيرة، التي عُنيت بمصلحة الشعب. وفي الحقيقة، من الممكن أن تكون دعوته للحزبين إلى «معالجة خلافاتنا» وإلى الابتعاد عن « المعارك المبتذلة نفسها التي سيطرت على واشنطن لعقود» قد نبعت من شخصية أوباما عام 2004 أو عام 2007.

وتعهد أوباما بإنفاق الأموال لإصلاح الاقتصاد الآن، في الوقت الذي يدفع فيه تجاه بذل جهود على المدى الطويل لخفض العجز. وواصل اللعب على أوتار الرغبة الشعبية في دعوته إلى فرض قواعد أكثر شدة على البنوك، وإلى التراجع عن قرار اتخذته المحكمة العليا من شأنه أن يوسع، على نطاق كبير، نفوذ الشركات في الحملات الانتخابية. فقد قال: «لا أعتقد أنه ينبغي تمويل الانتخابات الأميركية من قبل أصحاب المصالح الأكثر نفوذا في البلاد أو من جانب كيانات خارجية، وهو الأسوأ».

وفي الوقت نفسه، سعى أوباما إلى التعاطي مع حالة الاستياء الشعبي بشأن الاقتصاد، وبخاصة بين ناخبي الطبقة العاملة، الذين كانوا أكثر معاناة، من سياط الأوقات العصيبة. لقد كان واضحا أنه إذا فعل أوباما أي شيء آخر، لكان عرف عن نفسه بكلمة «الوظائف» ولأعلن بصوت عال عن عزمه استعادة هذه الوظائف.

وكان واضحا كذلك أنه يدرك أن إدارته خسرت اثنتين من المعارك المهمة العام الماضي، وهما بالتحديد: خطة الإنعاش الاقتصادي والخطة المقترحة الخاصة بنظام الرعاية الصحية. وتظهر استطلاعات الرأي أن الدعاوى السلبية للجمهوريين لا تزال تؤثر على الناخبين، في الوقت الذي أخفقت فيه مناقشات الإدارة من أجل إبراز أهمية الخطتين.

ودافع أوباما عن أفكاره مرة أخرى، لكنه أيضا تحدى الجمهوريين في أن يفعلوا شيئا أكثر من الانتقاد، فقال: «لا نستطيع شن حملة دائمة يكون الهدف الوحيد منها هو رؤية من يستطيع أن يحصل على عناوين أخبار أكثر حرجا لخصمه، وهو المعتقد الذي يقول إذا خسرت فإنني أفوز. لا ينبغي لأي من الحزبين تأجيل أو إعاقة أي مشروع قانون فقط لأنه يستطيع فعل ذلك». وشدد أوباما على عزم الديمقراطيين إلقاء الضوء على دور الحزب الجمهوري في خلق أجواء التوتر في واشنطن. وقال: «إن الاعتراض على كل شيء قد يكون نهجا سياسيا قصير المدى، لكنه لا يعد أسلوب قيادة».

باراك أوباما الذي تمنى من قبل أن يكون الرئيس التصالحي الذي فهم خصومه الفلسفيين. لا يزال هو ذاك الرجل، فقد جاء جُلّ خطابه مشبعا بالأفكار، خاصة في مجالي التعليم والطاقة، هذه الأفكار التي يمكن أن تكسب دعما يتجاوز الخطوط الأيديولوجية.

لكن كان واضحا أن أوباما الذي ألقى خطابا للبلاد فهم أيضا أنه يواجه حزبا جمهوريا يرى أن المعارضة الجريئة تشق طريقا نحو النصر. وقدم نفسه على أنه رئيس مستعد لخوض المعارك. فقد قال: «إننا لا نستسلم. أنا لا أستسلم».

*خدمة «واشنطن بوست»