لا أعتقد أن عربيا - أو أجنبيا - يمكن أن يتطلع إلى ما يحدث في بغداد اليوم، دون أن يتأمل في الفارق بين ما هي فيه الآن وما كانت عليه منذ ألف عام. لقد بناها المنصور، كما يروى، في أربعة أعوام، مستخدما مائة ألف رجل، واختار موقعها بسبب سهولة الدفاع عنه وأيضا لأن دجلة كان يشكل الصلة مع بلدان بعيدة تصل إلى الصين. وفي أقل من نصف قرن تحولت بغداد من موقع مجهول إلى عاصمة يعمل بتوقيتها جميع العالم، كما يعمل الآن بتوقيت غرينتش.
صارت بغداد الرشيد والمأمون المركز الدولي الأول. يأتي إليها الناس من أنحاء الأرض للعلم والثروة والعمل وليس لنسف الساحات والمواكب، وأقامت علاقات حضارية وتجارية مع الهند واليونان وسائر بلاد الروم. وأقام الخليفة المأمون «بيت الحكمة» الذي أصبح أهم مركز لتلاقح الحضارات. وغصت بغداد بأهل العلم والفلسفة وكبار المؤرخين والجغرافيين وعلماء الحساب، كما فاضت بالشعراء والأدباء. وبنى الرشيد أول المستشفيات. وكان ذلك أيضا عصر الرازي وابن سينا وليس عصر لجنة المحاسبة والمساءلة التي تترك القتلة والمفجرين وتحاسب المرشحين لمجلس النواب.
كان العرب في الأندلس يحاولون أن ينافسوا بغداد، ليس بإعداد جحافل «الأفغان العرب» بل بتطوير العلوم ونشر الحضارة والتقدم والعمران والفنون. ملأوا المدن مكتبات وحدائق ومدارس. وكان في شارع واحد من قرطبة 70 مكتبة كبرى. وسبق عبد الرحمن الثالث الأزهر إلى إقامة جامعة قرطبة وجعل لها مكتبة ضمت 400 ألف كتاب. وذكر أحد الرحالة الغربيين يومها «أن كل إنسان كان يجيد القراءة والكتابة». وبعد ألف عام تزيد نسبة الأمية في العالم العربي على 70%. وما يجعلها أسوأ وأوحش مما هي، أن «المتعلمين» يتهمون كل من يذكرنا بهذه الأرقام بـ«الصهيونية» أو «جلد الذات». وكأنما الذات، إذا كانت في مثل هذا التخلف لا تستحق الجلد كل يوم، وليس فقط عندما تصدر تقارير ودراسات الأمم المتحدة.
كيف لا نتذكر، ونحن نقرأ هذه الدراسات، أن ابن خلدون هو أول من وضع علم الاجتماع، متقدما خمسة قرون على الباحثين في الغرب. طبعا لا تعيش الشعوب في التاريخ، ولا تحيا على الماضي، لكن ها هو الماضي هناك، يذكرنا بأننا كنا نعلم البشرية العلوم فأصبحنا نعلم عمر عبد المطلب كيف يختزن في مخارجه علم التفجير.
التعليــقــــات |
عامرعمار، «الولايات المتحدة الامريكية»، 12/02/2010 - لامس مقالك سيدي قلوبنا وجدد آلامنا نحن العراقيين الذين شهدوا ولادة الدولة العراقية في الستينات وتطورها المضطرد الى بداية الثمانينات يوم بدأت علينا الحرب الأيرانية وبدأ معها تدهورنا وتهور قادة الأمس... أما قادتنا اليوم فقد وصل بهم التهور والأستهانة بالمقابل الى حد أنهم يجرؤن على وضع الخونة والمجرمين على رأس لجان تقصي وتحدد من هو المناسب للأنتخابات وتخرق القانون الذي هم (دولته كما يزعمون) وتهدد القضاة بمجرد أن حاولوا الخروج بحل وسطي يرضي الأطراف و ربما لأنهم (القضاة) أعلم بمن يجب أن يجتث ولكن من يجرأ على قول ذلك (للشراكوه) أتباع الشرق فهم اليوم السادة وبهم ستنتهي وتمحى الى الأبد مدينة المنصور والمأمون وهارون الرشيد مدينة كان أسمها بغداد.. |
|
عمر الزهاوي - روسيا، «لوكسمبورج»، 12/02/2010 شكرا للاستاذ عطا الله انها لتذكرة اكثر من رائعة ، وهنا نقول كان في بغداد وحكامها الاسلام الحقيقي وليس المتأسلمون . |
|
MARWAN-UAE، «الامارت العربية المتحدة»، 12/02/2010 صدقت |
|
يحيي صابر شريف - مصري -، «المملكة العربية السعودية»، 12/02/2010 الفضائيات المواقع في الشبكة العنكبوتية الجهاد عبر الميكروفونات واعتلاء بعض الشباب قمة الحكم هي السمة التي تميز هذا العصر وشبابنا في عالمنا العربي والاسلامي ليس لديه الوقت للقراءة والتعلم من من سبقونا وقد استغل البعض انتشار الظلم وبخاصة من الغرب والكيل بمكيالين كي يقوموا بغسل مخ بعض شبابنا فعشنا عصر خطف الطائرات والتفجيرات التي عاني منها الابرياء وعالمنا العربي والاسلامي كان يعيش وهج العلم والتقدم حينما كان الغرب في سبات عميق ثم قاموا فاخذوا منا اسباب تقدمنا فسبقونا لأننا اخذنا منهم اسباب تأخرهم فتقهقرنا. |
|
عواطف علي (الكويت )، «فرنسا ميتروبولتان»، 12/02/2010 أوافق الأستاذ الفاضل سمير أن الشعوب لاتعيش في التاريخ ولاتحيا على الماضي، ولكن عندما يكون الحاضر هو التخلف والضعف والفرقة والتطرف والتعصب والتفجير وكل مفردات الظلام وكل ماهو بعيد عن مفهوم الحياة ومعناها، فحينئذ يصبح الحنين قويا نحو الماضي والوقوف على اطلاله. |
|
عادل عبد الواحد مصر، «مصر»، 12/02/2010 السلام عليكم وتحية للكاتب الكبير, اري ان المشكلة في الاولويات, هل تبحث ليبيا في العلوم النووية ام تشتري المفاعل جاهزا من كوريا الشمالية, هل تتطور مصر قدرات الردع ام تتعلق بسلام مؤقت لتأجيل الحرب الخامسة مع الجار الصهيوني, هل يواجه اهل الخليج الجار الايراني الغير مأمون الجانب بالعلم والتقدم ام بإستقدام البوارج الغربية, كلنا لدينا عنترة وقيس وعشتار وفرعون ولكنه ماضي. |
|
نبيل حميد الخفاجي، «اليونان»، 12/02/2010 نعـــــم والله أعرف أن بغداد شهدت فترة أزدهار علمي وحضاري وأعرف ان بن خلدون عالم أجتماع فذ ونحن برعنا في علم الحساب ...الخ, ولكن أخبرني ما الذي برعنا فيه هذه الأيام سأجيبك لقد برعنا في البكاء على ما كتبت عنه في مقالتك وبقينا نبكي أننا أمة واحدة وجاء الأستعمار وبيده القلم وأخذ يخطط حدودنا وأخذ ثرواتنا وبقينا نناضل حتى نلنا الأستقلال ثم ماذا جرى بعد ذلك لقد جلس الذين حرورنا من العسكر على صدورنا وملئوا بنا السجون وقالو نحن اربابكم فأعبدونا ووجدوا من يصفق لهم لحد الأن وقد أبتكروا طريقة جديدة في الحكم أما يخرج بأنقلاب فيقتل أو يموت بسبب المرض وفي هذه الأيام أبتكرنا الجمهوريات الملكية حيث أخذوا يدربون أبنائهم على أخذ مناصبهم من بعدهم , هذا ما برعنا به أستاذ سمير عطا وهذا نزر يسير ياسيدي .... |
|
البصري، «فرنسا ميتروبولتان»، 12/02/2010 عاش قلمك استاذ هل من مزيد |
|
مهدي عباس هامبورك، «المانيا»، 12/02/2010 ألاستاذ سمير عطا الله أنت أنتهيت في الكتابة عن أحب شئ وأجمله إلى قلبي، دجلة وبغداد، بذكر لجنة المحاسبة والمساءلة، أرى في هذه المؤسسة تأريخا في الماضي القريب،فقد وُضِعَت بذور لها فاسدة في محكمة الشعب تلك التي تركت محاسبة قتلة فيصل الثاني وولي العهد ونوري السعيد،لا بل حكمت بالإعدام على توفيق السويدي وفاضل الجمالي وغازي الداغستاني وغيرهم،أيها الكاتب الفذ، كتاباتك تحوي أحلى الجمل وأجمل التعابير وأدق المعاني وأصدق ألأوصاف وأكثر العِبر في ألقليل من السطور وأنت لي ألاستاذ الرائع في معرفة ما قلَّ ودل،ومن بعده أريد أن أتفق معك على مبدأ القول أن الشعوب لا تعيش في ألتأريخ ولا تحيا على ألماضي،ولكن ماذا عن الفرد؟كيف له أن يعيش وهو ألأساس الذي به ومعه يُصنَع التاريخ ويتكون الماضي؟ عقود تعدت الخمسة بعد مقتل فيصل عشت جلها لا أشرب من دجلة ولا أسبح فيها،استاذ سمير اسمح لي أن اخاطبك بالقول أخي سمير، أكشف لك هنا سراً صدقني والله رغم هذه المرحلة المتقدمة من العمر تجدني أحيانأً اُغمض عيناي وأستنشق ماءً غزيراً بالأنف لأحتال على ذاتي وكأنني اسبح في دجلة الذي لا يبعد سوى أمتار عن دارنا،شكراً من القلب لما كتبت. |
|
جمال جاك قريو- jamal kryou - ستوكهولم-، «السويد»، 12/02/2010 مع الاحترام لقلمك الغيور ( هذا الفخر بالدروس التاريخية) التي ملآنا بها عقول الناشئة في عالمنا العربي . احد الاسباب في نشوء هذه النعرات الانتقامية الارهابية . (كان اجدادنا يعلمون البشرية العلوم )!!!. ونحن ما تعلمنا من علم اجدادنا غير الفخر بعلومهم! . |
|
احمد صالح عز الدين- بروكسل، «بلجيكا»، 12/02/2010 مقارنة جيدة بين الماضى الجميل والحاضر القبيح وهذه بديهيات ضرورية لمقدمة المقالة لكن لم توضح استاذنا اسباب هذا التدهور الذى اصاب بغداد العروبة والحضارةوالتقدم منذ سقوطها على يد هولاكو فى 1258 ميلادية وحتى يومنا هذا كما نطمح من كاتب ضليع وموسوعى مثلك ان يتحفنا عند بيان الاسباب باعطاء حلولا لهذه المشكلة التى ارقت وتؤرق رؤسنا كل يوم رعاك الله |