درعا هي ميدان التحرير

TT

حاول النظام السوري بكل ما أوتي من قوة، وقمع وقتل، أن يحول دون سيطرة المتظاهرين السوريين على أي ساحة في مدن سورية، على غرار ما فعل الثوار المصريون بثورة 25 يناير، حيث احتلوا ساحة ميدان التحرير وحولوها إلى عاصمة ثورتهم، وفرضوا اسم ميدان التحرير على جميع وسائل الإعلام العالمية، ونجح يومها الشباب المصريون في أن يصبح الخطاب السياسي بين الميدان والقصر.

في سورية الوضع اليوم مختلف، فمع القمع الحكومي تحولت درعا نفسها إلى ميدان التحرير، حيث باتت المظاهرات في كافة المدن السورية تخرج باسم درعا، ودفاعا عنها، ونصرة لشهدائها وتضحياتهم، فخطأ النظام السوري أنه ركز على الحل الأمني، وأراد محاصرة درعا عسكريا، وسياسيا، وإعلاميا بالدعاية وخلافه، لكن النظام، ودون أن يشعر، حول درعا إلى رمز، وجعلها هي ميدان التحرير السوري.

والأمر لا يقف عند هذا الحد، فبينما كانت الشخصيات السياسية المصرية تعلن دعمها للثوار المصريين، ورفضها لنظام مبارك، من خلال النزول إلى ميدان التحرير في القاهرة، فإننا اليوم نشهد أمرا مختلفا بالتفاصيل في سورية، لكنه متشابه بالرمزية، حيث جاءت أولى الاستقالات الاحتجاجية ضد النظام السوري من درعا نفسها، ففي الأمس أعلن نائبان سوريان استقالتيهما على الهواء مباشرة عبر قناة «الجزيرة» القطرية احتجاجا على قمع المظاهرات، حيث أعلن البرلماني خليل الرفاعي، النائب عن درعا، استقالته قائلا «أعلن استقالتي من مجلس الشعب لأنني لم أستطع حماية شعبي». وهذا ليس كل شيء، فقد أعلن أيضا مفتي درعا المعين من قبل النظام استقالته احتجاجا على مقتل المحتجين. وبالطبع، فإن استقالة مفتي درعا تعد هي المؤشر الأهم، فهذا هو أول موقف لرجال الدين المحسوبين على النظام، ولا نعلم ما إذا كان ستتبعه مواقف أخرى، خصوصا مع استهداف حمص وحلب.

ومن هنا، نلاحظ أن درعا باتت هي اليوم ميدان التحرير السوري، فباسمها الاستقالات، والمظاهرات، والانتفاضة السورية، وبالطبع فإن لذلك أسبابا عديدة، أبرزها سوء إدارة الأزمة بسورية، أمنيا وسياسيا وإعلاميا، وللأسف يبدو أن دمشق ما زالت تصر على استمرار مسلسل الأخطاء هذا، فها هي الماكينة الدعائية السورية تطلق اتهاماتها وشتائمها على الجميع، كما ازدادت مؤخرا النغمة الدعائية ضد السعودية، هنا وهناك، وبشكل ممجوج.

الطريف أن النظام السوري يتحدث عن مؤامرة، بينما جميعنا نرى التساهل الإعلامي العربي، وتحديدا الفضائي، ضد ما يحدث في سورية، ناهيك عن الصمت الدولي، خصوصا أن عدد ضحايا أول من أمس في سورية من العزل كان كبيرا، فماذا لو نالت أحداث سورية إعلاميا نصف ما نالته مصر، أو قل نظام مبارك، الذي عاش تحت ضغط مهول؟ بل وكم هو طريف، ومثير للسخرية، ما ذكر حول استقالة مدير مكتب قناة «الجزيرة» القطرية ببيروت غسان بن جدو، حيث قيل إن من أسباب استقالته التردي المهني في تغطية القناة، فيا سبحان الله! الآن أصبحت «الجزيرة» غير مهنية؟!

ولذا، فيبدو أن درعا، ميدان تحرير سورية الجديد، ستسقط أناسا كثرا!

[email protected]