شأكو ماكو؟

TT

هناك كثير من الكلمات الدارجة في الاستعمال في العراق، وبغداد بصورة خاصة، يحار في فهمها غير العراقيين. الطريف فيها أن جذور بعضها يمتد إلى الحضارات التي توالت على سهل الرافدين، بما في ذلك حضارة سومر وبابل. من ذلك كلمة «لقلق» التي نطلقها على هذا الطير الأبيض الضخم البدن الذي يعشش على مآذن المساجد وقبب الكنائس. إنه اللقلاقوا باللغة السومرية. في معظم البلاد العربية يتحدث القوم عن الطبيخ والطبخ. في العراق يتكلمون عن التركيب. تسأل زوجتك إش مركبة اليوم؟ وتركيبك للباميا مالح. وهذا كلام تعود جذوره للعهد العباسي كما نستدل من شعر الحلاج في القرن التاسع:

لأن روحي قديما فيه قد عطشت

والجسم ما مسه من قبل تركيب

يقصد ما ذاق أي أكل.

بيد أن من أغرب الكلمات التي تحير غير العراقيين: اكو وماكو وشاكو؟ يقصد بها يوجد ولا يوجد وماذا يوجد؟ نسبها البعض أيضا إلى البابليين. ولكنني أميل إلى الأخذ بالرأي الذي يرجعها لأيام الدولة العباسية أيضا. يقال إن أول من استعملها كان المطرب والموسيقي الشهير زرياب. والمعتقد أن اكو أصلها أكون، ثم حذفت النون بعملية النحت العامي. وهي تستعمل في عموم منطقة الخليج. وقد استملحت وقعها بما حملني إلى تسمية سلسلة مقالاتي في جريدة «العالم» العراقية قبل سنوات باسم «شاكو ماكو».

المؤسف أن أستاذنا الكبير الدكتور خلوصي لم يعد بيننا ليقول إن شكسبير سرق من العراقيين كلمات هاملت الشهيرة:

To be or not to be? That is the question

فهي تعني بالضبط ما يقوله العراقيون منذ سنين: اكو ماكو (أكون ما أكون).

أثارت الغرابة الإيقاعية لهاتين الكلمتين كثيرا من الطرائف والتعليقات الظريفة. قيل إنه عندما دعت شركة «آي بي إم» الأميركية قبل عدة أعوام العلماء من سائر البلدان إلى أميركا ليتفرجوا على هذا الاختراع الرهيب «الحاسوب» في أول مراحل تطوره، ضمت الوفود علماء من العراق. اجتمع القوم حول ماكينة الحاسوب الأولية التي تجاوز حجمها عدة أمتار. طلبوا من كل عالم أن يطرح عليها أي سؤال يخطر له. ففعلوا وكان الحاسوب يجيب عن كل سؤال بخفة وبساطة ودقة كاملة أعجبت الحاضرين. وهكذا حتى جاء دور الوفد العراقي فتقدم أحدهم وألقى سؤاله على الحاسوب.

مرت عدة دقائق والحاسوب صامت ثم أخذ يهتز ويختض، يصفر ويشخر ويقرقر، دقائق أخرى هكذا ثم اهتز هزة عظيمة وتصاعد الدخان من جوانبه وفتحاته حتى شبت النار فيه وانفجر وتحول إلى كومة من الأنقاض. شعر علماء «آي بي إم» بحرج عظيم أمام كل هذا الحضور. ثم تقدم أحدهم وسأل العالم العراقي عما ألقاه من سؤال أربك الكومبيوتر وحيره ودمره أخيرا. فهز الرجل كتفيه ثم أجاب. قال: سألته شاكو ماكو؟!

ولا عجب أن ينفجر الكومبيوتر، فالعراقيون يسألون عما هو موجود وعما هو ليس في الوجود أصلا. لا عجب أن نرى كل هذا النار والدمار في بلدهم.