علي أكبر ولايتي.. مع الأسد إلى الأبد أيضا؟!

TT

ما عاد ضروريا ولا مفيدا إيراد آراء أهل النظام الإيراني عن سوريا وعن الشؤون العربية بشكل عام. فالأسد عندهم بطل من أبطال المقاومة والممانعة، والثائرون عليه تسلحهم أميركا وإسرائيل(!)، والدول «الرجعية الخليجية» ضالعة في ضرب محور المقاومة العظيم هذا، والذي يتشكل - طبعا بالمصادفة - من الأجزاء التابعة لإيران من الطوائف الشيعية في سوريا والعراق ولبنان. وإيران تعتبر الممانعين في سوريا والعراق ولبنان جزءا من أمنها القومي، ولذا فستدافع عنهم كما تدافع عن طهران في حالة الهجوم. وإذا كان عند أحد شك فيما يمكن أن تقدم عليه إذا هوجمت أو إذا تهدد أحد أجزاء المحور الطائفي الخالد، فلينظر وليتأمل ماذا يفعل الجنرال سليماني، وماذا يفعل متطوعو حسن نصر الله والمالكي في سوريا الآن، حيث يدفعون بآلاف العناصر للقتال على جبهة الأسد وشقيقه، ويمدونهما بالسلاح الثقيل ويعطونهما أموالا ضخمة للإنفاق في الحرب!

وإذا كان الأمر كذلك، أي إنه خطاب أهل السلطة في إيران من خامنئي إلى رئيس الجمهورية ووزير الخارجية ومدير الأمن القومي وقادة الحرس الثوري، وكل الفضائيات الإيرانية ووكالات الأنباء والصحف التابعة لإيران أو أحد أجزاء محورها، فما الداعي إذن للاهتمام بمقابلات علي أكبر ولايتي وزير الخارجية الإيراني الأسبق، ومستشار خامنئي للشؤون السياسية والأمنية؟

كان ولايتي وما يزال نافذا بجوار خامنئي، وبينهما قرابة. وهو يعتبر نفسه متميزا في التوجه الثقافي الذي يمثل الوجه «الأصلي» للثورة الإسلامية في إيران (أي مثلث التشيع والإسلام والقومية الإيرانية). فعبر السنوات الماضية، قرأت له عدة تصريحات ضد «القومية العربية» المسكينة وغير الموجودة، إلى أن ذهب أخيرا إلى أن الظهور الإسلامي الأخير في البلدان العربية، إنما هو مواجهة بين الإسلام والقومية العربية! ثم لم يكتفِ بذلك، فاعتبر المعارضين لسيطرة الإسلاميين في العالم العربي، عملاء لأميركا وإسرائيل، باستثناء بشار الأسد طبعا. والأسد يقول أو قال عن نفسه أخيرا إنه قومي وعلماني، فكيف يعلل ولايتي عدم عمالته لأميركا وإسرائيل؟ لا علة لذلك غير انتمائه لمحور الممانعة الذي أنشأته طهران، والعلمانية الطائفية هي «أطهر» أنواع الممانعات والانفصاليات كما يعرف السيد ولايتي!

وكنت قد قرأت كتابا لولايتي (أظنه أطروحته للدكتوراه) عن السياسة الإيرانية تجاه القضية الفلسطينية حتى عام 1975، أثنى فيه على سياسات الشاه باعتبارها سياسات وطنية وقومية تجاه فلسطين وقضيتها (بسبب معرفته بعواطف الأمة الإيرانية تجاه الفلسطينيين) على الرغم من اضطراره لإقامة علائق قوية مع إسرائيل! وهكذا يمكن القول إن السيد ولايتي يمثل أو يعتقد أنه يمثل القومية الإيرانية والإسلام الإيراني في الوقت نفسه، وعلى قدم المساواة، ومن ضمن ذلك التمثيل منابذة العرب، ومنابذة الإسلام السني أو التنافس معه على «تمثيل» الإسلام بعامة.

هل تكون هذه الأمور أو الميزات في شخصية ولايتي، مبررا كافيا للاهتمام بعرض آرائه التي لا تختلف كثيرا في الظاهر عن آراء الإيرانيين الآخرين؟ نعم، فإن العودة «للأصول» الثورية وغير الثورية قوية جدا في إيران الآن، وقد تكون لها تأثيرات في السياسات الخارجية الإيرانية في السنوات المقبلة. ويضاف لذلك سبب آخر، هو اتجاه القريبين من مرشد الثورة إلى ترشيح ولايتي لرئاسة الجمهورية الإيرانية خلفا لأحمدي نجاد في الانتخابات التي تجري في يونيو (حزيران) المقبل. ونوايا الترشح والترشيح هذه كانت ولا شك بين دوافع ولايتي للظهورات الإعلامية العربية وغير العربية في المدة الأخيرة.

يسلم ولايتي بالطبع وفي الظاهر، في مقابلته مع فضائية «الميادين» بالخطوط الرئيسية للسياسة الخارجية الإيرانية في المنطقة العربية. وتقوم هذه السياسة على أن إيران تتزعم محورا بالداخل العربي للممانعة والمقاومة ضد أميركا وإسرائيل. ولذا فكل تمرد على الأسد أو المالكي أو نصر الله يشكل كسرا لمحور الممانعة هذا. وعندما تجادل ولايتي مع أحد مقابليه في مناسبة أخرى، أقر بأن المالكي لا شأن له بمقاومة إسرائيل، لكنه حافظ على وحدة العراق، أما الأسد فقد دعم المقاومة كثيرا، وعندما ووجه بأنه لم يسع لتحرير الأرض السورية، وأن إسرائيل تقيم الآن سورا عازلا على حدودها مع سوريا، وما رأت حاجة لذلك منذ عام 1967، غير الحديث ليقول إنه مهتم أيضا بحصول الشعب السوري على حقوقه إنما بالتفاوض، وليس بالحرب.

والطريف وذو الدلالة أنه عندما سئل عن كيفيات دعم إسرائيل للمقاتلين الثائرين على الأسد، عمد لمهاجمة الدول الرجعية، وخص قطر بالهجوم، ذاهبا إلى أنها تستورد مقاتلين من أفغانستان والصومال(!) وهذا بالطبع كلام غير صحيح، إضافة إلى أن مواقف أكثر الدول العربية في الخليج وخارجه، من الأزمة السورية، لا تختلف كثيرا عن موقف دولة قطر. فها هو الرئيس المصري يقول يوم الاثنين الماضي إنه لا بد من إنهاء نظام الأسد الآن! وهكذا فإن ولايتي تجنب عمدا الحملة على السعودية وعلى مصر، باعتبارهما المحاورين المحتملين والقائمين لإيران باسم الإسلام إن لم يكن باسم العرب!

لدى ولايتي والنخب المحافظة من حول خامنئي مشكلتان «ثقافيتان» مع العرب إذا صح التعبير، ومشكلة سياسية واستراتيجية واحدة. أما المشكلتان الثقافيتان فتتعلقان بالقومية والإسلام. فقد كانت إيران في المرحلة القريبة الماضية، لا تمثل الإسلام الشيعي فقط؛ بل والإسلام الثوري السني. ويكون عليها الآن أن تعترف بوجود طرف آخر غير تركيا يمثل الإسلام السني المحافظ والثوري على حد سواء. أما المسألة القومية، والتي يركز عليها ولايتي، فليس لها سبب عربي، بل سبب داخلي إيراني. فقد انتصر أحمدي نجاد - الذي تحول إلى شبه خصم لخامنئي - في السنتين الأخيرتين للقومية الإيرانية في مواجهة محافظي مجلس الشورى والحرس الثوري ومحيط خامنئي. وتحت عنوان «المصالح الوطنية» بدأ نجاد بشكل مستتر وغير مباشر ينتقد مسالك الحرس الثوري، وسياسات المحاور المكلفة لإيران بالخارج.

وولايتي يقول الآن إن معسكر المرشد هو المعسكر القومي الإيراني الأصلي، كما أنه معسكر التشيع والإسلام الأصلي. وهناك فرصة للقاء مع الإسلام السني الأصلي بنوعيه عبر مصر والسعودية. أو أن هذا هو ما يحاول ولايتي الإيهام به.

بيد أن هذه التركيبة الآيديولوجية المتنافرة، وسواء صحت أم لم تصح، تظل العقبة الرئيسية في وجهها ما اعتبرناه مشكلة سياسية واستراتيجية كبرى مع العرب. وهي بالذات المحور الإيراني الذي يخترق المشرق العربي والخليج، وبالطائفية، كما بالإعلان السياسي المعادي للأميركيين. وهو محور ما كان ليقوم إلا بالتنسيق مع الأميركيين، وبالتقاطع إلى حد ما مع الإسرائيليين. وذلك في مقابل عدم التعرض للأميركيين في انسحابهم وعدم التحرش بإسرائيل. وبنتيجة قيام المحور أخيرا وبشكل متماسك في الدول العربية الثلاث، ووجود نفوذ لإيران في مناطق عربية للإقلاق مثل البحرين واليمن؛ اعتبر الإيرانيون أنفسهم شركاء رئيسيين في المنطقة العربية، ويمكنهم أن يستفيدوا من ذلك في مفاوضاتهم مع الأميركيين، وفي تجاذباتهم مع دول مجلس التعاون الخليجي. ثم جاءت سنتا الربيع العربي فنقلتا الموضوع إلى مكان آخر تماما: الشعوب العربية في مواجهة حلفاء إيران من الأنظمة والحكومات في سوريا والعراق ولبنان. وجاء الحصار على إيران بسبب النووي، فحول أطراف المحور إلى عبء عسكري وأمني وسياسي ومادي. بيد أن أحدا في إيران لا يجرؤ على التراجع علنا عن رعاية المحور والالتزام به، وإلا فكيف يمكن تعليل الإنفاق الأسطوري والمغامرات الأسطورية في الأعوام العشرة الأخيرة على الأقل؟

المحور الإيراني في أدنى درجات ضعفه، على الرغم من مظاهر القوة والثبات. ولا ينبغي أن يتوقف العرب عن الضغط بقدر ما يستطيعون في سوريا والعراق ولبنان، فهذه هي فرصتنا للتخلص من الخطوط الحمراء والصفراء. أما الترتيبات الآيديولوجية اللفظية، التي ينتهجها ولايتي، فليست من همنا نحن «الرجعيين» الذين لا يريدون غير حرية بلدانهم وسلامتها وسلامها!