تأجيل القرار النووي الإيراني إلى ما بعد نجاد

TT

من المؤكد أن السنة الحالية ستكون هي سنة الحسم بالنسبة للمشروع النووي الإيراني، الذي سوف يتم إما بالتفاهم السلمي على طاولة المفاوضات، أو بعملية حربية لضرب المفاعلات النووية قبل تمكنها من إنتاج سلاح نووي. وواهم كل من يظن أن الخلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل، يعني أن تسمح القيادة الأميركية لإيران بإنتاج السلاح النووي مقابل تنازلات سياسية في سوريا أو لبنان. ذلك أن حصول إيران على السلاح النووي سوف يهدد منطقة الخليج الغنية بالنفط، ويضع مصالح الغرب تحت سيطرة طهران.

وعلى الرغم من إعلان الرئيس أوباما أنه لن يسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي خلال فترة رئاسته، فلا يزال لديه أمل في أن تضطر طهران تحت وطأة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، إلى التضحية بالمشروع النووي كي تستعيد قوتها الاقتصادية. لهذا اجتمع مندوبو الدول الخمس الكبرى مع ألمانيا بمندوب الحكومة الإيرانية في كازاخستان مؤخرا، في محاولة أخرى للوصول إلى حل سلمي للمشروع النووي الإيراني. وقدمت الدول الكبرى مقترحات لتخفيف بعض العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، لتشجيعها على التراجع عن امتلاك السلاح النووي، وعرضت استعدادها لتخفيف العقوبات على التعامل في الذهب والصناعات البتروكيميائية إذا ما وافقت طهران على وقف تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 20% وإغلاق موقع فوردو.

وبخلاف المرة السابقة عندما اجتمعت هذه الدول في إسطنبول في 22 يناير (كانون الثاني) 2011، وانتهت بإعلان سعيد جليلي - ممثل إيران - أن بلاده ترفض وضع برنامجها النووي على أجندة المفاوضات، فقد ظهر الارتياح هذه المرة لدى كل طرف على ما قدمه الطرف الآخر. كما تقرر عقد لقاء ثان بين الطرفين في الخامس من أبريل (نيسان) المقبل، عقب لقاء بين الخبراء بإسطنبول في مارس (آذار). واعتبر سعيد جليلي أن الدول الكبرى كانت واقعية في طلباتها هذه المرة، وحاولت تقريب وجهات النظر حول بعض النقاط.

وهنا يثور السؤال: على الرغم من عدم التوصل إلى اتفاق على أي من نقاط النقاش، لماذا وافق الطرفان على تأجيل القرار النهائي إلى موعد لاحق؟

من الواضح أن الطرفين أصبحا متفقين على إطالة أمد المفاوضات، التي قد تستمر إلى ما بعد إجراء انتخابات الرئاسة في إيران في 14 يونيو (حزيران) المقبل. لكن هدف كل طرف من هذا التأجيل يختلف عن هدف الطرف الآخر. فالجانب الإيراني يرغب في تهدئة الأمور في بلاده الآن حتى لا تؤثر سلبا على انتخابات الرئاسة بسبب سوء الوضع الاقتصادي الناتج عن العقوبات، بينما يأمل الغرب في أن تؤدي هذه الانتخابات إلى تغيير الموقف الإيراني المتشدد إما نتيجة لوصول رئيس أقل تشددا أو لاندلاع ثورة داخلية في إيران.

ومع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة أصبح تحسين الاقتصاد هو الموضوع الرئيسي الذي يتنافس عليه المرشحون. والملاحظ هذه المرة غياب الصراع التقليدي الذي كان موجودا في السنوات الماضية بين المتشددين والإصلاحيين، حيث اختفى زعماء الإصلاح الذين كانوا يطالبون بفتح قنوات الحوار مع الغرب، مثل خاتمي ورفسنجاني وموسوي وكروبي منذ 2009. وأصبحت المنافسة على كرسي الرئاسة هذه المرة منحصرة داخل التيار المحافظ نفسه. حيث يجري التنافس بين أنصار أحمدي نجاد - الرئيس الذي تنتهي رئاسته الثانية - والمتشددين التقليديين من داخل التيار المحافظ من علماء الدين والحوزات العلمية، وهذا هو التيار الذي تمكن من السيطرة على غالبية مقاعد مجلس الشورى. ويعتبر سعيد جليلي - المفاوض الإيراني - والذي هو أيضا رئيس مجلس الأمن القومي، هو مرشح المحافظين المتوقع للتنافس على الرئاسة، أمام علي أكبر صالحي وزير الخارجية الحالي الموالي لنجاد. وحيث إن المحافظين قد تمكنوا من الحصول على أغلبية المقاعد في انتخابات مجلس الشورى الأخيرة، كما أنهم مقربون من المرشد الأعلى علي خامنئي، فلديهم فرصة كبيرة في الفوز في هذه الانتخابات، عندما يحل سعيد جليلي مكان أحمدي نجاد. ولما كان على المرشح الذي يرغب في الحصول على أغلبية أصوات الناخبين، إقناع الجماهير بأنه قادر على التواصل مع الغرب لرفع العقوبات عن بلاده وإعادة الاستقرار للاقتصاد الإيراني، فهل كان تفاؤل جليلي أثناء سفره إلى كازاخستان جزءا من دعايته الانتخابية، أم رغبة حقيقية في التوصل إلى اتفاق سلمي لمشروع إيران النووي؟