تأجير آثار مصر

TT

مع تطور الإنسان والزمن اخترعنا علاقة اقتصادية تسمى الإيجار، فما لا يريد الإنسان شراءه يمكنه أن يؤجره لوقت معلوم. وليس غريبا أن تسمع أن أحدا قد أجر منزلا أو حجرة أو سيارة أو حتى طائرة. ولكن هل سمعنا من قبل عن أحد يريد أن يؤجر الأهرامات وأبو الهول ومعابد الكرنك وأبو سمبل؟! بالطبع لا. فهذا جنون لا يصدق وقصة تذكرنا بقصص العنقاء والخل الوفي لكنه حدث على أرض مصر ولا عزاء للفراعنة!

في رأيي الشخصي هناك شقان مهمان في قضية تأجير الآثار المصرية والتي أثيرت مؤخرا في وسائل الإعلام بعد الكشف عن الخطاب الفضيحة المرسل من وزارة المالية إلى وزارة الآثار لبحث موضوع تأجير الآثار لمعالجة الكارثة الاقتصادية التي تواجهها مصر الآن. الشق الأول يتعلق بسذاجة وجهل الموظفين سواء وزارة المالية أو وزارة الآثار.. وزارة المالية لأن ما عرض عليها من خطاب لا يحمل عرضا محددا كما أشيع مقداره 200 مليار دولار؛ وإنما خطاب من مواطن مهموم بالشأن الاقتصادي للبلاد وحالة العباد، ظن أنه يمكن طرح الآثار للشركات السياحية العالمية للانتفاع بها مدة من الزمن! وبكل تأكيد فإن هذا الرجل، وأنا لا أعرفه، يجهل القوانين تماما ولا يعلم معنى ما يعرضه من أفكار على وزارة المالية، وإلا ما كان كتب مثل هذا الخطاب. أما المسؤول هنا فهم من تناولوا خطاب المواطن وبحثوه وبدلا من الرد على مرسل الخطاب وتعريفه بما يجهل بكل احترام نجدهم يحولون الموضوع من خلال المسؤول عن مكتب وزير المالية إلى وزارة الآثار لبحث الفكرة الواردة بخطاب المواطن!

أما عن المسؤولين بوزارة الآثار فحدث ولا حرج؛ فإذا استطعنا بعد مشقه وعناء أن نلتمس العذر لمسؤولي المالية لأنهم لا يعلمون شيئا عن قوانين الآثار، بل عن الآثار نفسها، فحالهم مثل حال كثيرين يعيشون بجوار الآثار ولا يعلمون عنها شيئا! ولكن ما بال المسؤولين بوزارة الآثار وكيف يحولون الخطاب إلى مستشارهم القانوني لأخذ الرأي وهل عندهم شك في أن القانون يمنع أي نوع من التصرف في الآثار سواء الثابتة أو المنقولة؟ وبعد مجيء الرد القانوني، لماذا يطورون الموضوع ويحولونه للعرض على مجلس إدارة الآثار والمفروض أنه يتكون من هيئة كبار علماء في مختلف التخصصات؟ هل انعدمت مشاكل الآثار في مصر وأصبح المسؤولون في وزارة الآثار لا يجدون ما يفعلونه لذلك قتلوا موضوع تأجير الآثار بحثا وتمحيصا لقتل أوقات الفراغ؟ أفيقوا يا سادة فالآثار المصرية تتعرض لأعنف حملة تدمير في تاريخها وكل يوم نفقد إما أثرا وإما أرضا أثرية وسنفتح هذا الملف في مقالاتنا القادمة بإذن الله.

أما عن الشق الثاني في قضية تأجير الآثار فيختص بالتناول الإعلامي لها من قبل بعض وسائل الإعلام خاصة المناهضة لحكم الإخوان المسلمين؛ حيث وجدوها فرصة للتشهير بهم وحكمهم وتطوير الموضوع وإقحام دولة قطر به والقول بأن مبلغ الـ200 مليار دولار سيجيء من قطر، وذلك على الرغم من أن الموضوع برمته كما هو واضح من خطاب المواطن لا يمثل عرضا وإنما فكرة يعرضها.

في ظل إدارة كهذه لن يكن غريبا أن نجد أعلانا بوسائل الإعلام يقول: أجر أثرين من مصر وخذ الثالث هدية!! لك الله يا مصر.