هل يقبل الجيش بوجود ميليشيات مسلحة في سيناء؟

TT

منذ نحو ثلاثين عاما مضت قام حزب الله بتكوين ميليشيات عسكرية مسلحة في جنوب لبنان، بدعوى أنه يمثل قوى المقاومة في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية. ولما كان الجيش القومي اللبناني غير قادر على حماية حدود الوطن، فقد تمكن حزب الله من فرض ميليشياته المسلحة على شعب لبنان وحكومته، مما مكنه بعد ذلك من التحكم في قرارات الدولة عن طريق السلاح الذي يملكه. ومنذ سقوط حكم الرئيس حسني مبارك في مصر قبل أكثر من عامين، توافدت على سيناء مجموعات جهادية مسلحة، سرعان ما فرضت وجودها بالقوة - ليس على أهالي سيناء فقط - بل أيضا على قوات الأمن الموجودة بها. والآن بعد أن تحدت الميليشيات المسلحة رجال الشرطة والقوات المسلحة باختطاف جنودهم، هل يقبل الجيش المصري بوجود ميليشيات مسلحة على أرض الوطن؟

فقد قامت مجموعة جهادية مسلحة بخطف 7 جنود بالقرب مع الحدود المصرية مع غزة؛ ستة من رجال الشرطة وجندي من القوات المسلحة، وأعلن الإرهابيون أنهم لن يفرجوا عن الجنود المختطفين إلا إذا أطلقت السلطات المصرية سراح زملاء لهم، صدرت في حقهم أحكام قضائية بالسجن. وكان المسجونون المطلوب إطلاق سراحهم قد قاموا بهجمات إرهابية على مقار الشرطة والحكومة في سيناء، أسفرت عن مقتل نحو 100 شخص. وبعد سماع الخبر، سارع الرئيس محمد مرسي بعقد اجتماع أمني مع وزير الدفاع ووزير الداخلية ومدير جهاز المخابرات، لكن الرئيس لم يصدر أوامره بمطاردة الجناة، بل طالب رجال الأمن بالتفاوض مع الخاطفين وعدم الاشتباك في قتال معهم. ورغم اعتراض القادة العسكريين على التفاوض مع الإرهابيين، فإن الرئيس - بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة - أصر على التروي والانتظار حتى تنتهي عمليات التفاوض. وقال مصدر أمني إن الرئيس طلب من محافظ شمال سيناء التعامل مع القضية بحذر عن طريق التفاوض، من دون إراقة دماء الخاطفين أو المخطوفين.

والسبب الذي جعل الرئيس مرسي يصر على عدم مطاردة الخاطفين، أنه اعتبر أن عملية الاختطاف قام بها بعض أهالي سيناء الغاضبين، احتجاجا على إهمال الحكومة لشؤونهم، وعلى هذا يجب التفاوض معهم وتلبية مطالبهم كي يطلقوا سراح المخطوفين. وهذا هو الرأي ذاته الذي تبناه حزب الحرية والعدالة، التابع لجماعة الإخوان المسلمين، فقد قال حسين إبراهيم، الأمين العام للحزب، إن حزبه يرفض سياسات العقاب الجماعي التي كان يتبعها النظام السابق، ويرفض تماما الإفراط في استخدام القوة مع أهل سيناء. كما قال يونس مخيون، رئيس حزب النور ذي الاتجاه الإسلامي - إن الرئيس يريد إنقاذ المختطفين «بشكل سلمي، ويحرص على تجنب التدخل الأمني».

أما أهل سيناء أنفسهم فقد عارضوا عملية اختطاف الجنود، وأكدوا أن الخاطفين ينتمون إلى جماعات جهادية دخيلة، تفرض وجودها عليهم بقوة السلاح في ظل غياب سلطة الدولة في شبه الجزيرة. واستشهدوا على ذلك بأن الخاطفين يطالبون بإطلاق سراح زملائهم الإرهابيين الذين صدر بحقهم الحكم بالسجن بعد هجومهم على قسم شرطة العريش. ففي الثالث من نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، هاجمت جماعة إرهابية مسلحة مركز شرطة العريش عاصمة شمال سيناء وقتل بعض رجال الشرطة والمدنيين، ونقل التلفزيون المصري عن مصدر أمني قوله: «هاجم مسلحون قد يكونون من عناصر مجموعة جهادية، آلية تابعة للشرطة وأطلقوا النار على ركابها قبل أن يلوذوا بالفرار». وبينما كانت مصر تبكي ضحاياها من رجال الشرطة، أكد المتحدث باسم الرئيس مرسي أن «ضبط الأوضاع يتم من خلال الحوار»، ولا حاجة لملاحقة القاتلين أمنيا.

وعندما أرسلت القوات المسلحة رجالها إلى سيناء، وأعلنت عن إصرارها على تحرير الجنود المختطفين ومعاقبة الإرهابيين، يبدو أن المفاوضين تمكنوا من التوصل إلى اتفاق مع الخاطفين، يسمح بإطلاق سراح الجنود السبعة المخطوفين ليعودوا إلى بيوتهم. ورغم أننا لا نعلم حتى الآن الثمن الذي دفعته السلطات المصرية مقابل تحرير الجنود، فإنه سوف يتضح الوضع بعد ذلك في حال تم الإفراج عن الإرهابيين المسجونين.

والآن هل تنتهي الجريمة بعودة الجنود المخطوفين بينما يظل الإرهابيون الخارجون عن القانون أحرارا يعبثون بأمن الوطن، ويهددون أمن المواطنين، أم سيتم القبض عليهم وتقديمهم إلى العدالة لمحاسبتهم على الجريمة التي ارتكبوها؟ وهل سيسمح الجيش المصري بوجود جماعات إرهابية مسلحة على أرض الوطن، لا تدين بالولاء للدولة مثلما حدث في لبنان من قبل؟