اتخذت من اتفاقات أوسلو مواقف متغيرة وأحيانا متناقضة. لم أستطع التوصل إلى موقف قاطع أو واضح، ولم يساعدني في ذلك أصدقائي من الفلسطينيين المعنيين أكثر مني، ومن غيري، بمسألة الأرض والقضية. بعضهم كان يثق بكل شيء يفعله أبو عمار على اعتبار أن ما هو خطأ اليوم سوف يصبح صحيحا غدا، وبعضهم الآخر كان يقول إنه فلاح كثير الأخطاء ولكن مطلق الصدق.
أنا كنت قد سمعته مرة يقول: «أفضل أن أعود وأناضل من أرضي لكي لا أبقى متهما بالمغامرة بأراضي الآخرين». ولذلك كنت ضمنا أؤيد فكرة العودة الجزئية وأتحفظ في إعلان ذلك لكي لا أتهم - مثل ياسر عرفات - بالنقص في الوطنية والملل من العروبة. وبما أن أسهل وأرخص وأسرع المواقف هو الرفض، خصوصا من باريس أو لندن أو فنادق نيويورك، فقد خجلت من أن أقف في هذا الصف، لأن في ذلك خيانة لنفسي ومشاعري وفكري وليس لفلسطين.
هذا كله تاريخ قديم الآن لا يمكن لأحد أن يغير فيه أي شيء، وهو أن ياسر عرفات، يوم قاتل بنفسه، ويوم عاش حياة لم يعشها أحد، ويوم عانق، ويوم أنكر ما قاله بالأمس، ويوم أبحر في عداوات العرب، ويوم استغلها ويوم استغلته.. ويوم ويوم ويوم، يظل هو المؤسس الحديث للقضية الفلسطينية.
الآن الفلسطينيون مدعوون من قبل الأميركيين للتفاوض من جديد. سألت نفسي: أين أنا؟ أنا، بعد ما يزيد على نصف قرن صحافة وكتابة في القضية الفلسطينية، أدعو الرئيس محمود عباس إلى الرفض.. لن يعطوك شيئا.. سوف يقول لك جون كيري في النهاية، ما قاله جورج بوش الأب: «آسفون.. لقد حاولنا مُلكا، وعذرنا معنا». أنت اليوم أمام أضعف إدارة أميركية منذ مهزلة جيمي كارتر في إيران. باراك أوباما وجون كيري يريدان نقل «الشو» إلى فلسطين، لأنها الأكثر سلامة.
لو كنت مكانك لناديت على ساكن البيت الأبيض وقلت له: «اسمع يا مستر أو. كل أوراقنا عندك.. كل وثائقنا عندك.. كل صورنا التذكارية في الأرشيف.. كل التسجيلات الخفية والعلنية عندك: إذا كان لديكم من جديد حقا، فأخبرونا به.. إذا كنتم تثقون هذه المرة بأنفسكم، فأعطونا عهدا مكتوبا.. إذا كنت تعتقد أن نتنياهو سوف يكون صادقا هذه المرة، فأرنا توقيعه. وإلا يا صاحب الفخامة فلماذا هدر الوقت والمال والأعصاب، ولماذا هدر ما تبقى من السمعة، وإذا كنت لا تستطيع اتخاذ موقف في مصر، فكيف ستتخذ موقفا بين فلسطين وإسرائيل؟ وأنت يا عزيزنا السناتور كيري تعرف الكونغرس أكثر مني بألف مرة.. إنه بيتك لا بيتي، فلماذا عذاب القلب مرة أخرى؟».
تذهب، ولكن بكل قيد وكل شرط: إما ضمانة أميركية موقعة لما سنعاود البحث فيه، وإلا أهلا بك كل يوم في رام الله؛ شرط أن نبحث في أمور أخرى، كالطقس في الخريف، مثلا.