رحلات الليدي أشتون إلى مصر

TT

خلال أسبوعين جاءت الليدي أشتون إلى مصر مرتين. أي قوة يمكن أن يحمل الضعيف؟ إن أوروبا قارة هرمة وخاوية ولا وزن لها في صراعات الأمم. عندما قال وزير دفاع جورج بوش، دونالد رامسفيلد، إن أوروبا هي العالم القديم، كان يعبر عن صلافته وصفاقة أهل شيكاغو، كما وصف نفسه مرة، لكنه كان يعبر أيضا عن حقيقة يعرفها الجميع. تأكد لي ذلك عندما سافر المبعوثون الأوروبيون إلى يوغوسلافيا السابقة واحدا تلو الآخر وعادوا بما يحملون: لا شيء.

منذ أن أنقذت أميركا القارة الأم في الحرب العالمية الثانية، لم يعد لها أي وجود حقيقي: هزمت بريطانيا وفرنسا في السويس وخرجت بريطانيا من كل مكان وأوكلت أوروبا دورها ومصيرها إلى واشنطن في الحرب الباردة.

ظهرت القوة الأوروبية مرة واحدة في حرب ليبيا ثم عادت إلى تسربلها في سوريا. وتراجعت بريطانيا وفرنسا وألمانيا عن اندفاعها عندما تطلعت إلى جانبها فرأت باراك أوباما قد اختبأ على جانب الحقل. وفوق كل هذا الوهن السياسي ترزح القارة الآن تحت أسوأ حمل اقتصادي. وزاد في الضرر ازدياد الدول الأعضاء في الوحدة، وليس العكس. وفي حين تندفع الصين وروسيا والبرازيل وكوريا الجنوبية، تتلكأ أوروبا المتعبة.

لا وجود - وليس فقط لا دور - لها في القضية الفلسطينية. ولا مرتبة لها في دنيا الاقتصاد إلا مرتبة الخائفين والمتخلفين. فبأي صفة ستلعب دور النافذ أو المؤثر في مسألة كالمسألة المصرية؟

إن أوروبا الكبرى والموحدة لا تبدو أكثر من دولة ثانوية في الخريطة السياسية اليوم. تقف في الصف الثاني والثالث وما دونهما في واقع الأمم من حيث التقدم العلمي والاقتصادي والتنموي. وليس من قبيل المزاح أو المبالغة القول إن ثمة حيوية اقتصادية في إندونيسيا تفوق جدا حيوية فرنسا. وتقف ثلاث دول على الأقل على الشفير، هي إيطاليا والبرتغال واليونان.

إن حالة الضعف التي تضرب أوروبا والتوقع التي تضرب أميركا تؤدي إلى زعزعة واضحة في الوضع العالمي، الذي تعود السبات الأوروبي، لكنه مرتبك حيال سياسات أوباما الذي يراه - حين يراه - جالسا يفاوض الملا عمر في الدوحة أو سفيره خير الكلام، أو شيء من هذا القبيل.

تعطي أسفار ورحلات ومداخلات الليدي أشتون انطباعا سيئا. ليس عن حال بؤر الصراع فحسب، بل خصوصا عن حال الوسطاء. بالأمس كانت المسز كلينتون تتمشى في ميدان التحرير بالتايور الأحمر وكأنما الحل في نهاية الميدان. لا مكان لنزهة الليدي أشتون.