«الزوجة الباريسية»

TT

أمضيت ردحا من شبابي أحلم بأن أصبح ذات يوم شيئا من أرنست همنغواي. متأخرا اكتشفت أن الفارق هائل بين أن تحلم وأن تحاول! كلما نجحت في تقليد الكاتب الذي كان يملأ مرحلتنا، تشردت في مقاهيه الباريسية وعرفت معنى الوحدة على مقاعد حديقة اللوكسمبورغ، التي أحرص على أن أستقبل فيها الربيع، مع رفيقة عمري.

لم يعلمنا الفرنسيون أن نحب باريس، بل الأميركيون الذين قرأناهم مبكرا جدا، وفي سنوات التأثر الهش. ولكن خيرا أن تقرأ وتندم على أن تندم لأنك لم تقرأ. كبرت لا أحب همنغواي الذي أعجبت به شابا. والحقيقة أن رواياته لم تعد تعني للأجيال ما كانت تعنيه في الماضي. الآن، تكتب الروايات عن حياة همنغواي، التي أرادها شاقة مثل أعماله، وقرر أن يختمها بالانتحار مثل عمل درامي يبلغ ذروته.

«الزوجة الباريسية» عمل روائي يترك الأسماء الحقيقية كما هي. وفي كتاب بولا ماكلين الذي يحمل هذا العنوان يبقى اسم هادلي ريتشاردسون، زوجة همنغواي الأولى، كما دون تغيير. وكذلك معاناتها مع الكاتب المبتدئ والفقير الذي سوف يصبح أحد أشهر الأسماء العالمية، ولكن بعدما يكون قد دمر حياتها وتحول إلى عربيد سكير ويميل إلى العنف ويهوى مصارعة الثيران، حيث المصارع أكثر توحشا من الثور.

لم تجد المؤلفة حرجا في تقليد العنوان والأسلوب الروائي عن كتاب «الزوجة الأميركية» الذي يحكي قصة لورا بوش، المرأة الجميلة والهادئة والمثقفة، التي تزوجت من كاريكاتير الرئاسة الأميركية. ولكن في رواية يونس الابن، تتغير الأسماء وتصبح لورا بوش «أليس بلاكويل». سيدة بائسة في الاسمين، أو بالأحرى في أي اسم مقرون باسم الرجل الذي عرفت أميركا معه جميع كوارثها.

هل عنوان الكاتبة العراقية إنعام كجه جي «الجدة الأميركية»، مجرد توارد خواطر أو توارد عناوين؟ درجت في السنوات الأخيرة موجة تطعيم العناوين بأسماء أجنبية، خصوصا عند الروائي اللبناني رشيد الضعيف الذي من عناوينه «عزيزي السيد كواباتا» و«تصطفل ميريل ستريب». وقد قلده في ذلك بعض من هم مبالغون في الضحالة، أصولا وتقليدا، نثرا ومنثورا.

أقدر أعمال الضعيف ولا أستحب إطلاقا الأسماء الأجنبية في العناوين، وخصوصا أنه فتح باب التقليد أمام معدومي المواهب حتى في التقليد الفائق الضحالة. أهدتني إنعام كجه جي «الجدة الأميركية» في أصيلة قبل سنوات وقرأتها بمتعة. وبمتعة أقرأ لطائفها في «الشرق الأوسط»، عن حياة باريس وفنونها وآدابها التي أطلقت همنغواي وبعض أشهر كتاب الإنجليزية أوائل القرن الماضي: الأميركي هنري ميللر، الآيرلندي جيمس جويس، والبريطاني جورج أورويل. وهل نسيتم توفيق الحكيم؟