الصديق وقت الضيق

TT

كما هي الحال بين الأفراد فإنه لا يوجد وقت مثل أيام الأزمات والضيق لاختبار المعدن الحقيقي للعلاقات بين الدول، وقد أثبتت السعودية في الأزمة التي تمر بها مصر حاليا أنها صديق حقيقي بالمواقف الحاسمة والسريعة للملك عبد الله بن عبد العزيز دعما للاستقرار، وتحركات الدبلوماسية السعودية ممثلة في وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الذي قام بزيارة إلى فرنسا تسبق الاجتماع الطارئ لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي حول مصر.

وقد يجد المتابعون للسياسة الخارجية السعودية أنها عادة ما تميل إلى التأني، والابتعاد عن أي شبهة تدخل في شؤون داخلية لدولة أخرى، خاصة إذا كانت عربية، وعدم اتخاذ مواقف متعجلة، لكنها فيما يتعلق بالأزمة المصرية الأخيرة جاءت مواقفها سريعة وحاسمة وعلنية على أعلى مستوى، وذلك في إشارة إلى استشعارها خطورة الموقف، وكانت مواقف عدة دول عربية مثل الإمارات والكويت والبحرين والأردن متماهية مع الموقف السعودي لدعم الاستقرار في مصر في وقت يشعر فيه الجميع بأن السماح بامتداد الانهيار والفشل الذي تتسع رقعته في المنطقة إلى أكبر دولة عربية سكانا، ولها ثقلها في التاريخ العربي سيكون كارثة على المنطقة.

أهمية هذه المواقف هي أنها رسالة واضحة إلى العالم الخارجي بأن هناك موقفا عربيا مما يجري في مصر، وأن مصر لها أهمية خاصة لا تحتمل مغامرات أو مواقف فيها مراهقة سياسية تحدث المزيد من التصدع والخراب في المنطقة العربية، وتنظر بعين واحدة إلى الأزمة وتغمض العين الأخرى عن حقيقة ما يحدث.

هذه المواقف العربية جاءت أساسا لدعم الدولة المصرية ومؤسساتها باعتبارها الركيزة الأساسية للاستقرار، في دولة محورية، والسماح بانهيارها يفتح الباب لفوضى كارثية، وهي ليست انحيازا لفريق ضد فريق، فقد حرصت السعودية خاصة منذ بداية التطورات المصرية على التأكيد على احترامها لإرادة المصريين، وتعاملت بشكل مفتوح مع فترة حكم «الإخوان» واستقبلت رموزه باعتبارهم ممثلين للدولة المصرية وقتها، لكن لم يكن خافيا على أحد أن خروج هذه الملايين في 30 يونيو (حزيران) مطالبين بتغيير الرئيس، عكس إرادة شعبية مصرية مختلفة لم يكن من الممكن تجاهلها، واضطر الجيش وقتها إلى التدخل لفرض التغيير، ويمكن لأحد أن يجادل خارجيا أو حتى داخليا بأنه كان الأفضل وفقا للعبة الديمقراطية أن يجري التغيير من خلال صناديق الاقتراع، ومن دون شك فإن ذلك كان السيناريو المثالي، لكن الحقيقة على الأرض أن أدواته لم تكن متاحة، وكان هناك تعنت في مواجهة سلسلة الحلول السياسية التي طرحت للخروج من المأزق، وبينها إجراء استفتاء على شخص الرئيس، فلم يكن من الممكن تحت الضغط الشعبي الهائل المطالب بالتغيير الانتظار أربع سنوات أخرى، وفي هذه الحالات فإن من يده في الماء ليس مثل الذي يده في النار.

ولا يستطيع أحد إلا أن يأسف ويحزن للدماء التي أريقت، سواء بين المتظاهرين أو قوات الأمن، فكلهم مصريون، لكن المؤسف هو أن تلجأ جماعة سياسية إلى العنف وجعل الدم أداة للتفاوض السياسي، ومحاولة جعل المجتمع رهينة بعد أن خرجت الملايين منه رافضة لأسلوب حكم «الإخوان»، ومحاولتهم فرض هويتهم على الدولة.

ولا بأس بهذا الاهتمام الدولي بما يحدث في مصر أو محاولة المساعدة، لكن يجب عدم تكرار تجارب أو تدخلات فرضت في دول أخرى وكانت نتيجتها كارثية وتدفع المنطقة ثمنها حتى اليوم، متمثلة في اتساع الرقعة الجغرافية لدول لا تستطيع فرض سيطرتها إلا على أماكن محدودة، بينما لا توجد سيادة على أجزاء واسعة منها.

ولا يمكن تجاهل حقيقة واضحة وهي أن هناك دعما شعبيا قويا لا تخطئه العين للدولة المصرية ورغبة في استعادة هيبتها رغم الألم من الدم المراق، وآخره الجنود الذين قتلوا بدم بارد في سيناء أمس التي أصبحت ساحة حرب أخرى تشنها قوى ظلامية لا تنتعش إلا في أوقات الاضطراب.