خيارات الحرب

TT

ليس غريبا أن يكون أهم ما التقط في حديث وزير الخارجية الروسي الذي هاجم التصريحات الغربية باحتمال التدخل العسكري في سوريا دون تفويض من الأمم المتحدة، هو قوله ردا على الأسئلة حول موقف بلاده في حالة إذا حدث هذا الهجوم بأن موسكو لا تعتزم خوض قتال مع أحد، فهي رسالة واضحة تبين حدود الدعم الروسي إلى الأسد، وأنه لن يصل إلى حد التورط في نزاع عسكري لحمايته.

لقد وضع استخدام الأسلحة الكيماوية ضد مدنيين في الحرب الدائرة في سوريا، ومشاهد جثث الأطفال القتلى جميع الأطراف الدولية في حالة إحراج، الحلفاء الذين ارتبكوا لهول الجريمة وحاولوا إلقاء المسؤولية على المعارضة، والقوى الداعمة للمعارضة المترددة في التورط في النزاع لكنها وجدت أنها لا تستطيع السكوت على ما يحدث، وإلا لفقدت مصداقيتها، خصوصا أن التردد الطويل أدى إلى تفاقم الأزمة واتخاذها بعدا دمويا لم يعد مقبولا.

هناك حاليا ما يشبه أجواء حرب تبرزها التصريحات والتحركات والاجتماعات المتسارعة إقليميا ودوليا سواء سياسية أو عسكرية، والتأكيدات الصادرة من عدة عواصم غربية، بإمكانية التحرك في إطار تحالف دولي واسع، أو في إطار حلف شمال الأطلسي (ناتو)، والجميع بما ينتظر ويتحسب لحظة الضغط على الزناد، لتنتقل الأزمة السورية التي تقترب من عامها الثالث، إلى منعطف جديد، حساباته ما زالت قيد المراجعة. هذه الأجواء تترافق مع اتصالات دبلوماسية محمومة خاصة بين موسكو ودول غربية تشبه الأجواء التي سبقت الحرب في العراق بما يؤشر إلى أن ارتفاع درجة حرارة التوتر وجدية المواقف.

لكن ظروف الأزمة السورية الآن مختلفة عن العراق، فالواضح أن الخيارات العسكرية ليست كثيرة في ضوء المعطيات الحالية على الأرض، فأغلب تعليقات وآراء المحللين الغربيين ترجح عملا عسكريا من نوع ضربات محدودة صاروخية أو جوية أو جراحية عن بعد لمنشآت الأسلحة الكيماوية، أو البنية الهيكلية العسكرية التابعة للنظام تكون بمثابة رد عقابي أو رسالة تحذير إلى النظام بعدم استخدام هذه الأسلحة مجددا، أو إمكانية استمراره دون حساب في مثل هذه المجازر.

وتعتمد هذه التحليلات على حسابات رغبة الأطراف الدولية في تجنب الانزلاق إلى تورط مكلف على الأرض لمدة طويلة، وحديث الرئيس الأميركي باراك أوباما عن ضرورة حساب التكلفة واضح في هذا الشأن، وأيضا عدم وجود حشد قوات أرضي يسمح بممارسة عمل بري مباشر.

ويشبه ذلك كثيرا ما فعله الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون عندما اكتشف أن القاعدة وراء الهجوم على المدمرة الأميركية «كول» في ميناء عدن في التسعينات فأجاز ضربات صاروخية عن بعد على معسكرات القاعدة في أفغانستان أيام حكم طالبان، فأربك نشاطها لكنه لم ينه وجودها هناك حتى 11 سبتمبر (أيلول) والحرب في أفغانستان التي تلتها، أو الهجمات الصاروخية التي شنت على مصنع الشفاء في السودان.

في الأزمة السورية إذا اتخذ قرار الضغط على الزناد بشن مثل هذه الهجمات في الوقت الحالي، فإنها على الأرجح لن تحسم الموقف على الأرض، لكن ستكون لها تداعيات قد يكون الأبرز بينها فتح نافذة للعناصر المتململة داخل النظام هناك للبحث عن طريق آخر أو الانشقاق، وأيضا فتح الطريق أمام المعارضة المسلحة لتحقيق مكاسب على الأرض إذا جرى إضعاف الماكينة العسكرية للنظام، وهو ما قد يفتح الباب أمام حل سياسي لانتقال السلطة.

وفي النهاية فإن الخيارات الحقيقية تبقى على الأرض، وخصوصا بيد المعارضة التي تحتاج إلى إثبات وحدتها وجدية رؤيتها السياسية للمستقبل السياسي لسوريا، وتبديد المخاوف التي تثار في العواصم الغربية حول العناصر المتطرفة التي ظهرت على الساحة أخيرا.