مرونة إيران البطولية

TT

ثمة مؤشرات في الآونة الأخيرة على أننا سنرى وجها جديدا لإيران، ليس فقط لأن الرجل الذي أنكر الهولوكوست قد رحل، ولكن أيضا لحدوث تغييرات ملحوظة في إيران. وبعبارة أخرى، يبدو أن آية الله خامنئي قد اتخذ قرارا هاما يتعلق بتغيير شكل الحكم وصنع القرار السياسي في إيران.

وأصبح من الواضح بشكل متزايد أن الرئيس الإيراني حسن روحاني لديه قدرة رائعة للقيام بهذه المهمة بأفضل طريقة ممكنة. ويتعين علينا أن نميز بين شيئين هامين؛ أولا وقبل كل شيء: ما هو السبب وراء التغييرات الأخيرة في إيران؟ ثانيا: هل هذه التغييرات المهمة تشمل العناصر الأساسية أم أنها شيء عرضي؟ غالبا ما تستخدم هذه المصطلحات في الفلسفة، ولكن يمكن استخدامها في السياسة أيضا. والسؤال الجوهري الذي يطرح نفسه بقوة الآن هو: هل نحن أمام تغيير استراتيجي أم مناورة تكتيكية في السياسة في إيران المعاصرة؟

لقد اتخذ آية الله خامنئي، بصفته صانع القرار الرئيس في إيران، ثلاثة مواقف رئيسة، لم تكن متوقعة على الإطلاق. أولا: طالب جميع الإيرانيين عشية الانتخابات، بمن في ذلك أولئك الذين لا يؤيدون الحكومة والمعارضة، بالمشاركة في الانتخابات من أجل مساعدة بلادهم، حيث قال: «هم ضد الحكومة وليس ضد البلاد».

ثانيا: قال خامنئي خلال لقائه مع مجموعة من قادة الحرس الثوري الإيراني إنه لا يتعين على الحرس الثوري القيام بدور في الحياة السياسية، أو الدفاع عن البلاد من خلال إجراءات سياسية.

ثالثا: قال خامنئي، كرجل استراتيجي، إنه يتعين علينا في بعض الأحيان أن نتمتع بالمرونة في مواقفنا، ولكن هذه المرونة يجب أن تكون «مرونة بطولية». ويوم الأربعاء الموافق السابع عشر من أغسطس (آب)، قال المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي لمجموعة من قادة فيلق الحرس الثوري إنه «لا يعارض الدبلوماسية»، مضيفا أنه يؤمن بفكرة تسمى «المرونة البطولية».

وعلى الفور، تذكر العلماء، الذين هم على دراية بخلفية خامنئي، كتابه عن صلح الإمام الحسن مع معاوية. في عام 1970 قام خامنئي، عندما كان رجل دين شابا، بترجمة كتاب باللغة العربية بعنوان «صلح الحسن عليه السلام - الشيخ رضي آل ياسين»، وترجم خامنئي هذا العنوان باللغة الفارسية ليصبح «صلح الإمام الحسن: أعظم مرونة بطولية في التاريخ».

الإمام الحسن هو الإمام الثاني لدى الشيعة الذي وقع معاهدة سلام مع معاوية وتنازل له عن الخلافة. ولا ينظر المسلمون الشيعة إلى معاهدة سلام الإمام الحسن على أنها نوع من أنواع الاستسلام، ولكن ينظرون إليها على أنها عمل نبيل يهدف إلى تجنب إراقة الدماء. وغالبا ما يقارن بين الإمام الحسن وشقيقه الإمام الحسين، الذي قرر محاربة ظلم الخليفة الأموي يزيد والسير بكل شجاعة نحو الموت المحقق.

وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني قد أكد في مقابلة مع شبكة «إن بي سي» يوم الأربعاء الماضي أن إدارته لن تسعى أبدا لحيازة السلاح النووي، مؤكدا أنه يملك السلطة الكاملة لإبرام اتفاق مع الغرب بشأن البرنامج النووي المثير للجدل. وعلاوة على ذلك، عبر روحاني عن تقديره لرسالة الرئيس الأميركي باراك أوباما، مشيرا إلى أن اللغة التي كتبت بها الرسالة كانت إيجابية وبناءة.

أعتقد أن جميع هذه المؤشرات تدل على أننا على أعتاب إعادة بناء العلاقات بين إيران والولايات المتحدة. وأعتقد أن كل المتطرفين في إيران وإسرائيل وأميركا يقفون ضد تعزيز العلاقات بين البلدين. واسمحوا لي أن أركز هنا على وجهة نظر المتطرفين:

1 - في إيران، يعرف بعض المتشددين المرونة البطولية استنادا إلى وجهات نظرهم الخاصة، فعلى سبيل المثال قال أحد البرلمانيين إن المرشد الأعلى يريد إظهار الهوية الحقيقية للولايات المتحدة، وهو ما يعني أن أميركا هي أساس كل الفساد الموجود في المنطقة وفي العالم. ولا يتعين على الرئيس روحاني أن يضيع وقته في التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، يقول بعض مؤيدي أحمدي نجاد إنه (أحمدي نجاد) وقف أمام أميركا وإسرائيل، وإن الحكومة الجديدة ليست قوية بالدرجة الكافية، ولذلك اضطر المرشد الأعلى لقبول هذا الوضع. ويرى هؤلاء أن نظرية المرونة البطولية سوف تؤدي إلى نهاية المقاومة الإيرانية الطويلة ضد الولايات المتحدة.

2 - فيما يتعلق بإسرائيل، من الواضح تماما أن الحكومة الإسرائيلية تقف ضد أي محاولة لإعادة بناء العلاقات بين إيران والولايات المتحدة.

3 - كما نعلم جميعا، فإن المحافظين الجدد في الولايات المتحدة دائما ما يقفون ضد فكرة تجديد العلاقات مع إيران، وبالتالي فإن تصريحات أوباما الأخيرة لم ترُق لهم، فعلى سبيل المثال يعتزم السيناتور الجمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية ليندسي غراهام طرح مشروع قرار لاستخدام القوة حتى يتيح للرئيس أوباما مهاجمة إيران من دون الحاجة إلى العودة إلى الكونغرس، وهو ما يعني أن غراهام يعتزم منح السلطة الدستورية لشن الحرب إلى الرئيس أوباما بدلا من الكونغرس.

يريد غراهام أن يمنح أوباما تصريحا بالحرب على إيران، حيث قال: «أعمل على تكوين تحالف بين الحزبين. نحن في طريقنا لتمرير قرار باستخدام القوة بالشكل الذي يسمح لبلادنا باستخدام القوة العسكرية لوقف البرنامج النووي الإيراني. سأكون بحاجة إلى دعمكم، وإلى دعم كل الأميركيين وأصدقائنا الإسرائيليين».

ويعني هذا أننا نواجه قضية معقدة للغاية، وأعتقد أن انتخاب الرئيس روحاني يعد فرصة فريدة من نوعها لإيران حتى يمكنها توضيح صورتها الحقيقية أمام العالم. وعلاوة على ذلك، فإن روحاني أيضا سياسي قوي للغاية يمكنه مساعدة البلدان في منطقتنا على حل مشاكلها، بما في ذلك العراق وأفغانستان، وبالطبع سوريا.

ولحسن الحظ، توقفت طبول الحرب ويمكننا الآن الاستماع لأغاني السلام، ونحن بحاجة الآن إلى ما يسمى بالمرونة البطولية. وهناك عبء ثقيل على كاهل روحاني الآن، ولكني أعتقد أنه يمكنه التخلص منه. وقد ركز المقال الأخير لروحاني في صحيفة «واشنطن بوست»، الذي نشر في التاسع عشر من سبتمبر (أيلول) الجاري، على الدعم الوطني له في إيران، حيث قال: «وأنا أتوجه إلى نيويورك لحضور افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإنني أحث نظرائي على اغتنام الفرصة التي قدمتها الانتخابات الإيرانية الأخيرة، وأحثهم على تحقيق أكبر استفادة ممكنة من الدعم الحكيم الذي منحني إياه الشعب الإيراني، وأن يستجيبوا حقا للجهود التي تبذلها حكومتي من أجل الدخول في حوار بناء». ويعني هذا أن روحاني يحظى الآن بالدعم الكامل من المرشد الأعلى، كما يحظى بدعم من قبل الإصلاحيين في إيران. وبعبارة أخرى، فإن روحاني يعلم جيدا ما يريد، وهذه هي النقطة الأكثر أهمية في هذه الأيام الحرجة.