وقف آلة الدمار الشامل

TT

في أواخر الخمسينات من القرن العشرين، اقترح الخبير الاستراتيجي الشهير هيرمان كان، على نحو طريف، إنشاء ما سماه «آلة الدمار الشامل». يجري توصيل جهاز كومبيوتر من أجل تفجير كم ضخم من القنابل النووية، في حالة اتخاذ الاتحاد السوفياتي إجراء يعرف بأنه مفرط. كانت مزحة من كان. كان الهدف من هذه الكوميديا السوداء هو إبراز أن الاستراتيجية النووية الرسمية للولايات المتحدة كانت جنونية تماما كآلة الدمار الشامل التي اقترحها، في أنها افترضت حربا لم يكن هناك مفر عقلاني منها. كان البديل، كما كتب فريد كابلان في كتابه «سحرة أرماغدون» هو العثور على استراتيجيات يعوزها الإبادة الشاملة. في واقع الأمر، اقترح كان 44 «درجة تصعيد» مختلفة، من بينها تلك المراحل مثل «أزمة واضحة» و«حرب نووية بالكاد» و«حرب نووية محلية».

تفيد هذه الكتب القديمة المتعلقة باستراتيجية نووية بشكل مميز هذا الأسبوع في دراسة الأزمة السياسية الوشيكة في واشنطن. لقد وضع الجمهوريون في مجلس النواب الدولة على طريق مروع نحو عجز مالي. إذا لم يتسنَّ للجانبين العثور على مخرج من سلم التصعيد هذا، فسرعان ما سيصلان إلى نقطة «دمار مؤكد» في الأسواق المالية العالمية. وحقيقة أن ذلك سيكون خطأ الجمهوريين سوف تمثل عزاء بسيطا للديمقراطيين في محاولتهم إزالة الأنقاض.

يبدو أن انهيار سقف الدين الوشيك أثار في نهاية المطاف انتباه الطرفين، بحيث بدآ يتحدثان على الأقل عن المفاوضات. وهذا يعد تغييرا عن أول أسبوع من إغلاق الحكومة، عندما كان الجمهوريون في مجلس النواب لا يزالون في حالة دوار بقوتهم الذاتية التدمير، وبدا الديمقراطيون من جانبهم سعداء بجعلهم يرتكبون انتحارا سياسيا.

ويتمثل أحد كتبي المفضلة عن الاستراتيجية في كتاب رفيع يحمل عنوان «كل حرب ينبغي أن تنتهي» لفريد إيكل، ونشر في عام 1971 عندما كانت الولايات المتحدة مستمرة في محاولة إنهاء حرب فيتنام وفقا لشروط مقبولة.

كان موضوع إيكل يتمثل في أن القادة عادة ما يبدأون الحروب بفكرة واضحة عن كيفية إنهائها. كانت الحرب العالمية الأولى خطأ بالأساس. كتب إيكل: «أساءت القوى الأوروبية الرئيسة تقدير كيف ستتفاعل أنظمة التعبئة الخاصة بها»، لكنها لم تستطع أن تنجو من عملية التصعيد البارعة، ثم تواصل القتال، أملا في تحقيق انتصارات من شأنها أن تبرر التكلفة المروعة. كان من الممكن أن تحظى كل الأطراف بوضع أفضل، إذا ما أمكنها التوصل إلى تسوية بسرعة، لكنها لم تعرف كيف يمكنها تحقيق ذلك. كان هجوم اليابان على أميركا في عام 1941 بمثابة تصرف ساذج، غير أنها واصلته ليسفر عن أقسى النتائج: قبل ثلاثة أشهر من بيرل هاربور، سأل الإمبراطور الياباني عن المدة المطلوبة لإلحاق الهزيمة بالولايات المتحدة. وأجابه قائد الجيش بأن الحرب ستنتهي في غضون ثلاثة أشهر. كان لدى يابانيين آخرين معلومات أفضل. حذر قائد البحرية قائلا: «حتى لو حققت الإمبراطورية انتصارا بحريا حاسما، فلن نكون قادرين على إنهاء الحرب».

ونتيجة عدم الاستعداد للاعتراف بخطئهم الفادح والبحث عن السلام، ارتبك الجيش الياباني. قررت الولايات المتحدة أن النظام السياسي الياباني لا يمكن أن يستسلم، وأن الوسيلة الوحيدة لإنهاء الحرب هي استخدام الأسلحة النووية. لنعُد إلى المعركة السياسية الحالية في واشنطن. يبدو من العدل القول إن رئيس مجلس النواب، جون بوينر، أطلق حملة لا يمكن الفوز بها حول مفهوم واضح للعبة النهائية. وقد ترك هذا الرئيس أوباما والديمقراطيين في مواجهة معضلة اتخاذ قرار بشأن السماح للجمهوريين في حزب الشاي بالدفع بالدولة نحو هاوية العجز عن السداد، ومن ثم يجعلون الآخرين يفقدون الثقة بهم. وهذه استراتيجية للانتصار الكامل – المراهنة على أن حزب الشاي سيلحق به قدر هائل من الدمار بفرض العجز عن السداد إلى حد أن سيطرته على الحزب الجمهوري ستتزعزع – لكن تلك الانتصارات العصرية قلما تحدث. قد تتمثل استراتيجية ديمقراطية أكثر تواضعا في السماح لجمهوريي مجلس النواب بحفظ ماء وجوههم بالدرجة الكافية للوصول إلى تسوية. تخيل معاهدة فرساي للسلام في عام 1915، بدلا من عام 1919. كان بمقدور أوباما طرح إجراءات بناء ثقة، مثل التعهد بإجراءات لخفض العجز في الميزانية، لإقناع بوينر بوقف تهديداته. بعدها، قد تأتي «صفقة كبرى» تصلح برامج الاستحقاق. وقد يترك مثل هذا الاتفاق الدولة في حال أفضل. للمجتمعات التقليدية التي تتكرر فيها الحروب، مثل المناطق القبلية من باكستان التي يتحدث سكانها لغة إقليم البشتون، طقوس مفصلة لعملية حفظ ماء الوجه تنهي الحروب. أحيانا ما سيغلب على مقاتل خاسر التواضع، ويذهب إلى منزل خصمه، حيث يلزم المنتصر بتقديم حسن الضيافة والاحترام لجعل التصالح ممكنا.

يبدو أن أوباما قد حقق الفوز في المعركة السياسية: بوسع الدولة بأكملها أن ترى أن حزب الشاي يتصرف بشكل غير عقلاني. لكن أوباما يحتاج الآن إلى مساعدة بوينر في إيقاف آلة الدمار الشامل. وهي نتيجة أفضل قليلا بالنسبة للطرفين من العجز المالي.

* خدمة «واشنطن بوست»