الظبي.. ماذا فعلتم بالظبي؟

TT

لم يشعر جميع الكنديين بالفرح لفوز أليس مونرو بنوبل الآداب. لقد حوّلت بذلك الأنظار عن القضية الكبرى التي كانت تشغل البلد: إقدام فرقة من شرطة العاصمة أوتاوا على قتل ظبي ضخم اجتاح حدائق العاصمة. حاولت الشرطة كل الوسائل لردعه. طاردته من حارة إلى حارة. جربت صيده بالرصاص المخدر. ربح جميع المعارك. وأخيرا كان لا بد من الرصاص الحي. قامت قيامة الكنديين. يا للهول. بأي حق تقتل الشرطة ظبيا؟

ثم فجأة الإعلان عن فوز كندا، للمرة الأولى، بنوبل الآداب. من يهمه الأمر؟ لقد عاشت البلاد مائة عام من دونها، وكان في الإمكان أن تبقى كذلك مائة عام أخرى. المفارقة أن الجائزة أعطيت لمؤلفة لا تثير اهتمام أحد. مثلها مثل كندا، مثل الريف الذي تعيش فيه.

أحد أشهر قصص مونرو القصيرة عنوانها «من تظن نفسك». الكندي يحب أن يكون لا أحد. أن يمر في الحياة متواضعا وبلا ضجيج. كائن مسالم ورتيب، وتقريبا بلا طموحات إلاّ في الحالات الاضطرارية. تتقدم الرواية في المجتمعات التي تغلي بالأحداث والمآسي والشرور. أو تعصف بها السياسات والتحولات، كما في مصر نجيب محفوظ. لكن المجتمعات التي مثل كندا والسويد والنرويج، لا أحداث ولا أبطال. قُتل رئيس وزراء السويد أولوف بالمه وهو ذاهب لحضور فيلم في دار سينما، من دون مرافقة شرطي، حتى من بعيد. وقيل إن قاتله مجنون. وفي العاصمة الكندية تتأهب الشرطة إذا ظهر ظبي شعر بالبرد خلف النهر وضل طريقه.

كندا ليست بلدا في الأخبار. ليس فيها روائيون روس، أو فرنسيون، أو لاتينيون. المواطن الكندي ليس بطل رواية. إنه بالكاد بطل قصة قصيرة في الريف، عند أليس مونرو. ضاقت سيدة صديقتنا بقنفذ في حديقتها فذهبت إلى الدكان تشتري سمّا للتخلص منه. شكّت البائعة في أمرها فاتصلت بالشرطة: أيَّتها الشرطة الكندية أريد الإبلاغ عن امرأة قاتلة لا تحب قنافذ الحدائق. ربح القنفذ المعركة، بعكس الظبي السيئ السلوك والسيئ الحظ.

من أجل العثور على روائي يُعطى نوبل، اختارت اللجنة السويدية كندية تكتب القصة القصيرة. مات الدكتور يوسف إدريس يحلم لقصصه القصيرة بشيء من نوبل. ازدهرت القصة العربية القصيرة زمن ازدهارها في الغرب، ثم انصرف الجميع عنها إلى العمل الأصعب، الرواية. من زمان خلت المكتبات من مجموعات القصص. الآن ربما يعود هذا الفن إلى الحياة مع مونرو. فن أبدع فيه غابرييل غارسيا ماركيز، فلجأ إلى الرواية القصيرة مثل الرواية الطويلة. صاحب القصص القصيرة كان يسمى «القصّاص». الآخر يسمى «الروائي». نجيب محفوظ اكتشف السر فاختار نمط دوستويفسكي بينما اختار يوسف إدريس نمط الطبيب الآخر، تشيخوف.