حزنا على جيمس فولي

TT

علت أصوات كثيرة عربية وإسلامية تستنكر جريمة الإعدام الوحشي للصحافي الأميركي «جيمس فولي» على يد قتلة ما يسمى بـ«الدولة الإسلامية» أو «داعش». لكن، شاب بعض هذا الاستنكار مرارة ولوم وانتقاد للضجة العالمية التي أعقبت قتل هذا الصحافي بالمشهدية الوحشية التي ظهرت والتي يبدو أنها ستقود إلى تعزيز تحالف دولي ضد هذا التنظيم.

«مات مئات وآلاف غير جيمس فولي لم يذكرهم أحد».. «ماذا عن أطفال سوريا».. «ماذا عن المفقودين والمعتقلين في سجون النظام السوري».. «ماذا عن الذين قتلتهم داعش نفسها»، بعض من التعليقات التي ملأت صفحات وسائل التواصل الاجتماعي..

نعم الأسئلة كثيرة والمقارنات يمكنها أن تستمر إلى ما لا نهاية وفي كثير منها نقد في محله..

لكن مع ذلك، فإن كل هذا الاهتمام العالمي والحزن على الصحافي الشجاع «جيمس فولي» والذي لم ينله ضحايا كثر غيره لا يجب أن يدفعنا للتعامل السلبي مع تراجيديا موته. فكل هذه الضجة الإعلامية التي نحسده عليها لن تعيد له الحياة. فهذا الشاب الذي قرر مختارا أن يأتي إلى أخطر مكان على حياة الصحافيين لينقل بعينيه ما يجري مات بأفظع الأساليب. سبق أن أظهرت كتاباته نزاهة في نقل معاناة السوريين، وهو قال مرة في مقابلة بعد نجاته من الاعتقال في ليبيا عام 2011: «الحقيقة هي أنه حين ترى عنفا كثيرا فذلك يخلف عندك أمرا غريبا، فالعنف لا يصدك دائما بل هو أحيانا يقربك منه. الشعور بأنك نجوت من أمر ما هو قوة غريبة تجذبك إليها مجددا».

وها هي الدراما السورية جذبت «جيمس فولي» ليس فقط إلى محنة السوريين بل جذبته إلى نهايته وبأبشع صورة..

سيل المقالات والاستنكارات على إعدامه لن تمحي من ذاكرتنا صورته جاثيا على ركبتيه حليقا يكاد لا يتحرك وصوته الهادئ واستسلامه بسكون إلى قدره. ولن تبعث التعليقات والصور التي نعته الحياة إلى ملامحه الوسيمة التي تحمل دائما مسحة حزينة حتى في صوره الباسمة. ولن تعيد المواقف السياسية روحه التي سلبت ببشاعة وقسوة..

يعجز الاهتمام العالمي عن تفسير كيف قضى هذا الصحافي الجريء عامين كاملين رهينة جرت المتاجرة به. فمن اعتقله بداية حين اختفى على الحدود التركية السورية! ومن باعه ولمن! وما دور النظام السوري في اعتقاله كما لمحت صحيفة «غلوبال بوست» التي كان يرأسها حين اختفى لتبدأ بعدها رحلة عذاب ومتاجرة بهذا الصيد الثمين لينتهي هذه النهاية المروعة على يد قتلة «داعش»..

حتما لن تعيد كل هذه الضجة روح الرجل لكنها قد تكون مدخلا لإعادة الاهتمام بمفقودين وضحايا آخرين.

نحتاج لتذكر ذلك ونحن «نستفظع» الاهتمام الإعلامي العالمي بـ«جيمس فولي». صحيح أنه ليس وحده من قتل وعذب وبيد بأبشع الأساليب، وصحيح أن هناك آلافا غيره لم نسمع بهم ولم نعرف قصصهم ولم ينالوا من اهتمامنا قدر ما لقيه «جيمس فولي». لكن علينا دائما أن نتذكر أن هذا الرجل لم يكن ابن واقعنا ولا ربيب أزماتنا كما معظم ضحايانا..

«جيمس فولي» أتى مختارا إلى سوريا في وقت امتنع وتردد كثر بعد أن قتل خيرة من الصحافيين والصحافيات وفقد نحو عشرين منهم وها نحن اليوم نعيش كيف أرعب قتل «جيمس فولي» من تبقى من مغامرين كانوا يفكرون بالقدوم..

«جيمس فولي» كان من القلة التي جهدت حتى لا تكون معاناة السوريين خبرا منسيا..

بعد قطع رأسه هل من يجرؤ على الدخول إلى سوريا أم أن الألم السوري سيواصل بهوته من الإعلام لصالح إغراء مشهد الرقاب المتطايرة..

diana@ asharqalawsat.com