العراق بعد صدام مثل ألمانيا بعد هتلر

TT

يحاول الحسيني في مقالته، المنشورة في «الشرق الأوسط» الغراء، في عددها الصادر يوم 24/8/2002، إلقاء اللوم على المعارضة العراقية، وتحميلها مسؤولية تدويل القضية العراقية، ومن ثم يقدم لها النصح بالابتعاد عن الدعم الخارجي والاعتماد على قواها الذاتية في التخلص من نظام صدام حسين، وكأن المعارضة مسؤولة فعلا عن تدويل القضية العراقية وليس نظام صدام نفسه.

ويتهم الكاتب المعارضة بالاستعانة بالأجنبي وتدويل القضية. وبأنها جعلت نفسها «مطية بيد أهواء ومخططات هذا الأجنبي، وتحديدا الولايات المتحدة الاميركية». وعندما نقرأ المزيد، نعرف أن الكاتب غير آبه بمعاناة الشعب العراقي على يد حكامه الحاليين، وإنما تحذيره من دعم الأجنبي للمعارضة العراقية ناتج عن تخوف على مصالح بلاده إيران. ونتساءل: هل مصلحة إيران تكمن في استمرار نظام دموي مثل نظام صدام حسين الذي شن عليها حرباً عبثية لثمانية أعوام ونشر الخراب والدمار في ربوعها؟ أليس من مصلحة إيران ودول المنطقة أن يكون العراق بلا صدام الذي تسبب في زعزعة الأمن والاستقرار في دول المنطقة؟

أما خوفه على السعودية وما يشاع في هذه الأيام، عن مخطط أمريكي ضدها وربط هذه الإشاعة بالدعم الأمريكي للمعارضة العراقية، فقد نفاه العقلاء من الطرفين، وآخرها مقالة الأستاذ عبدالرحمن الراشد في «الشرق الأوسط»، يوم 25/8، حول أكاذيب الباحث الفرنسي موراويك، الذي أثار زوبعة في فنجان، ولا داعي لإثارة المخاوف من هذا «الخطر» فأهل مكة أدرى بشعابها». أما خوفه على القضية الفلسطينية، فكل عاقل ومنصف يعرف أن صدام حسين هو الذي ألحق أشد الضرر بالقضية الفلسطينية بحروبه العبثية في المنطقة.

ثم ينبري الكاتب بتقديم الوعظ للمعارضة العراقية على طريقة وعاظ السلاطين فيقول: «إذا كان الله سبحانه وتعالى سيحاسب الانسان يوم القيامة على النوايا كما هو معروف فإن عباد الله، لا سيما العقل الجمعي للشعوب والامم لا ولن يحاسبوا يوما الا بناء على نتائج أعمالهم.. الخ» شكراً على هذه النصيحة!! وحسن ظنه بنوايانا الحسنة ونطمئنه الى النتائج، ففي أسوأ الأحوال، سوف لن تكون أسوأ مما يعانيه الشعب العراقي على يد صدام حسين. ونحن واثقون إن مستقبل العراق بعد صدام حسين سيكون كمستقبل ألمانيا بعد هتلر.

كما يحاول الكاتب إلقاء اللوم في تدويل القضية العراقية على المعارضة وهذا خطأ جسيم ارتكبه الكاتب، وناتج عن عدم إهتمامه بمعاناة الشعب العراقي. فالعراق الآن تحت الوصاية الدولية، وصدام حسين هو الذي قام بتدويل القضية العراقية وذلك بشن حروبه العبثية ضد دول الجوار. وتحرير الكويت كان بقرار من الشرعية الدولية حيث شاركت فيه ثلاثون دولة بما فيها المملكة العربية السعودية وسوريا اللتان يخاف الكاتب عليهما من الدعم الأمريكي للمعارضة العراقية. إن المظالم التي ألحقها النظام الجائر بحق الشعب الكويتي الشقيق لمدة ستة أشهر فقط، والتي استوجبت التدخل الدولي، كانت وما تزال هي ما يعاني منه الشعب العراقي منذ ما يقارب أربعة عقود. فلماذا يجوز الدعم الخارجي لنصرة الشعب الكويتي ولا يجوز لنصرة الشعب العراقي المبتلى بهذا النظام وهو أسوأ من الإحتلال الأجنبي في نظر العراقيين؟ كذلك لماذا يجوز للدول العربية التوسل بأمريكا لدعم القضية الفلسطينية ولا يجوز هذا الدعم للشعب العراقي؟

أما الأدلة الأخرى على تدويل القضية العراقية والوصاية الدولية بسبب سياسات النظام الطائشة فهي:

1 ـ هناك أكثر من 27 قراراً من مجلس الأمن الدولي بحق العراق وقد رفضت حكومة بغداد تطبيق 23 منها.

2 ـ لا سيطرة للنظام على أجواءه التي هي تحت سيطرة قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا.

3 ـ الحصار الاقتصادي المفروض من الأمم المتحدة على العراق.

4 ـ المنطقة الشمالية من العراق تحت الحماية الدولية لتوفير الملاذ الآمن للشعب الكردي من بطش النظام.

5 ـ نفط العراق يصدر وفق قرار الأمم المتحدة (نفط مقابل غذاء) وليس بيد الحكومة العراقية.

6 ـ السيادة الوطنية مفقودة وحدود العراق مفتوحة لكل من هب ودب والجيش التركي يجتاح الشمال كلما رغب في ذلك.

7 ـ وهناك ما يقارب الأربعة ملايين عراقي في المنافي هرباً من مظالم النظام.

ومن كل هذه الأسباب وغيرها، نعرف أن صدام، وبسبب سياساته الطائشة، هو الذي قام بتدويل القضية العراقية وليس المعارضة.

أما قول الحسيني ان على المعارضة الاعتماد على قواها الذاتية في الإطاحة بالطاغية، فنقول ان المعارضة حاولت ذلك بانتفاضتها العارمة بعد هزيمة النظام في حرب الخليج الثانية واستطاعت السيطرة على 14 من 18 محافظة عراقية ولكنها سُحقت ولم تستطع تحقيق النصر لأسباب دولية معروفة، ولشراسة قمع النظام. وعليه، فالمعارضة مضطرة الى قبول هذا الدعم الخارجي الذي أثبت فوائده في عملية تحرير الكويت ولدول مثل البلقان وتيمور الشرقية وغيرها، ومطلوب للقضية الفلسطينية، فلماذا لا يصلح للمعارضة العراقية التي تقارع أشرس نظام جائر عرفه التاريخ؟

* كاتب عراقي وزميل كلية الجراحين الملكية البريطانية