«أبناء الشيطان» وسينما «للخلف در»
الجمعـة 18 رمضـان 1421 هـ 15 ديسمبر 2000 العدد 8053
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: فنون
القاهرة: طارق الشناوي
لو أنك أردت أن تتعرف على حالة السينما المصرية حاليا وابرز عيوبها على مدار تاريخها فأنا انصحك بأن تشاهد فيلم «ابناء الشيطان» فهو نموذج واضح جدا وبالعدسة المكبرة يكشف لك بجلاء كل هذه العيوب.

هذا الفيلم الذي كتب قصته واخرجه ابراهيم عفيفي وسيناريو للكاتب بشير الديك به قدر من الاستسهال والاستعجال ويتحرك فيه كل الممثلين كما يحلو لهم ولا احد يجهد نفسه في شيء الا في ضرورة انجاز الفيلم في اقل فترة زمنية والانتهاء من هذا المشروع سريعا لكي يتفرغوا الى مشروع سينمائي جديد ان «التيمة» الاساسية في الفيلم هي الصراع الاولي بين الخير والشر بين اصحاب المبادئ واصحاب المصالح وتنهزم في النهاية المصالح ويقدم ابراهيم عفيفي هذه الرؤية من خلال حسين فهمي تاجر المخدرات الذي يحاول شراء الذمم وشراء الشرفاء ويتضح لنا ان تاجر المخدرات له نشاط دولي خارج الحدود وبالتحديد في تركيا حيث تجري احداث الجزء الثاني من الفيلم ولكن تأتي النهاية بأن رجال الشرطة المصرية ومعهم فاروق الفيشاوي يلقون القبض على حسين فهمي الذي تزوج قبل القبض عليه من ابنة المحامي التي ادت دورها عبير صبري وكان هذا المحامي قد رفض الخضوع لابتزاز حسين فهمي فاصابه في حادث مدبر ولكنه تمسك بمبادئه.

لايزال الفيلم متشبثا بالحدوتة التقليدية في بنائه الفني وسيناريو بشير الديك لا يجهد نفسه في أي شيء وكأن هذا السيناريو أخرجوه من «الديب فريزر» وبعد فترة تسخين قدمه للناس مع المخرج ابراهيم عفيفي.

نجما الفيلم حسين فهمي وفاروق الفيشاوي قطبا الخير والشر في الاحداث دخلا الى احداثه وهما لا يراهنان على شيء الا سرعة تنفيذ الفيلم من اجل ان يحصلا على الاجر ليبدأ كل منهما في اسرع وقت ممكن مشروعا آخر.

ان العشوائية هي سلاح الكاتب والمخرج في انتقال السيناريو من موقع الى آخر ويبدو حتى ان اختيار تركيا جاء كنوع من ـ تحلية ـ البضاعة واعطاء الفيلم بعدا سياحيا حتى يقدم اغنية أو اكثر ورقصة أو اكثر من هنا أو هناك.

ولم يتوان واضع الموسيقى التصويرية جمال سلامة على ان يقدم كل ما هو ممكن أو غير ممكن من صخب وضجيج بدعوى ان هذه هي الموسيقى التصويرية والواقع ان ما استمعنا اليه لا يمكن اعتباره بأي حال موسيقي ناهيك عن اعتبارها تصويرية انه احد الافلام التي قدمها مؤخرا اتحاد الاذاعة والتلفزيون المصري ودفع بها الى الشارع السينمائي على امل ان يواجه الموجة السائدة حاليا في السوق السينمائي من انتشار لافلام نجوم الكوميديا ورغبة الجمهور في تغيير الوجوه التي باتت متكررة لا تتغير على مدى عقود من الزمان ولم يغفل الفيلم ان يداعب ايضا جمهور السينما من الشباب الذين يشكلون اكثر من 70 في المائة من رواد السينما ولهذا يكرر كلمة مثل ان الرجل يساوي مائة امرأة وتجد مثل هذه الكلمات صدى طيبا لدى الجمهور الذي يشعر بالاعتزاز لكونه رجلا ولأن الله اختاره ان يكون رجلا فهو كما جاء في احداث الفيلم يساوي مائة امرأة، في هذا الفيلم لم يتقدم حسين فهمي أي خطوة ولم يجدد نفسه ووقف فاروق الفيشاوي بنفس التعبيرات الجاهزة التي يحرص على أن يأتي بها معه الى الاستوديو وينتقل بها من فيلم الى آخر ولا يعنيه من قريب أو بعيد أن الجمهور مع الزمن لا يستطيع ان يتعايش مع فنان لا يعرف الا الكليشيهات الجاهزه في التعبير الخالي من أي تعبير.

ابراهيم عفيفي هو احد الذين ارتبطوا في مرحلة الثمانينات بتقديم افلام تجارية مثل «القرش»، «الفرن»، «السيد قشطة»، «العجوز والبلطجي»، «الغجر» وغيرها كانت هذه الافلام في مجملها لا تجد فيها سوى الجنس والرقص والمخدرات والعنف وفي عام 2000 لا يزال ابراهيم يلعب بنفس المفردات التي كان يلاعب بها الجمهور منذ عشرين عاما لكنه هذه المرة يلعب بمفرده بعد ان انفض عنه وعن «ابناء الشيطان» الجمهور الذي لا يعترف بقاعدة «للخلف در».